story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

المغرب في “الدلالة”

ص ص

هذا الفراغ السياسي لا يحمل بتاتا على الاطمئنان. كان يفترض اليوم أن يتكرّم رئيس الحكومة على غرفتي البرلمان، بنوابهم و”سيناتوراتهم” بجلسة يتلو عليهم ما يعتبره حصيلة استبقتها الأغلبية الحكومية بالتهليل والتطبيل، إلا أن الاجتماع تأجل، لا لخلاف سياسي أو تباين في وجهات النظر والتقديرات، بل فقط لأن الغرفة السفلى للبرلمان (مجلس النواب) عجزت عن استكمال هياكلها…
سامح الله حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قلّب علينا المواجع أخيرا، ولوّح، كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد، بتقديم ملتمس رقابة ضد حكومة كان يحلم بعضويتها إلى الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات التي أنتجتها، وما زال يعارضها بمنطق “يتمنّعن وهنّ راغبات”.
هذا التلويح العبثي جعلنا نعود مكرهين إلى قراءة صفحات التاريخ البرلماني للمغرب، لنتذكّر بعدما بذلنا كل جهدنا كي ننسى، أننا ودون مجازفة ولا مواربة، أمام أسوأ حقبة على الإطلاق في تاريخ المؤسسة التشريعية لمغرب، ليس لأن الدولة مدّت رجليها بحزبين تمارس بهما التعدّد، وتسيطر بهما على المشهد السياسي وقد ضغطا بأسلوب “السندويتش” على شريحة سياسية هي حزب الاستقلال… بل لأن البرلمان المغربي وفي أحلك الفترات والحقب السياسية، ظل يضمن وظيفة المعارضة المنبرية ويمنح الدولة والمجتمع شعورا باستمرار التوازن ووجود البدائل.
اليوم نحن أمام برلمان كسيح، رئيسه تابع لرئيس الحكومة، عضو في حزبه وفي مركّبه المصلحي، فباتت المؤسسة التي يفترض فيها أن تراقب السلطة التنفيذية وتسائلها وتشرّع لها، رهينة لديها، تأتمر بأوامرها وتنفّذ تعليماتها، في الحضور كما في الغياب. أما معارضته فحالها يبكي العدو قبل الصديق، تعجز حتى كتابة هذه السطور عن التوافق حول من يشغل مهمة رئيس اللجنة التي خصها بها الدستور، ولا تقوى حتي على الحد الأدنى من المعارضة المنبرية، في ظل تردد حزب الوردة بين “آخصماك آه” و”أسيبك لا”، وتراجع الفريق الحركي عن حماسته السابقة التي انطفأت جذوتها بمجرد اعتقال عضو قيادته، الوزير السابق محمد مبديع، وبالكاد يقوى “إسلاميو” و”شيوعيو” المجلس على إسماع صوتيهما كأي مكبّري صوت متهالكين في جهاز “ستيريو” عتيق.
أمس خرج علينا أصغر مكوّن سياسي داخل مجلس النواب، وهو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، في ندوة أشبه بخروج المغربية التي طفح بها الكيل من القهر والتنكيل، إلى الشارع واضعة أصبعيها في أذنيها ومطلقة العنان لحنجرتها أن “واك واك آ عباد الله عتقو الروح”.
وأدلى وزير الميزانية السابق في حكومة عبد الاله بنكيران بتصريحات كفيلة بإعلان حالة الطوارئ وتأجيل جميع الاستحقاقات وإغلاق الأبواب والنوافذ، حتى نستوعب ما يجري تحت غطاء الصمت والهدوء الذي توحي جميع المؤشرات أنه من النوع الذي يسبق العاصفة.
الرجل وهو يتحدث من موقع مسؤولية سياسية ومعرفة عميقة، من الداخل، ببنية الخزائن المالية للمغرب، قذف برقم مفزع مفاده أن الحكومة الحالية جنت خلال السنوات الثلاث السابقة، أكثر من 80 مليار درهم، من خلال بيع ممتلكات المغاربة المتمثلة في بنايات ومقرات صحية وإدارية وجامعية، رافعة لافتة “التمويلات المبتكرة” التي لا تعني سوى تلك التقنية المأثورة التي يمارسها “الحجّام” على المقبل على الختان، مشيرا نحو الأعلى ومرددا عبارة “شوف الفريّخ”.
ال”بيعة وشرية” التي قامت بها هذه الحكومة في نصف ولايتها فقط، تقترب من مجموع مع حصّله المغرب طيلة ربع قرن مضى من الخوصصة، والتي بالكاد بلغت عتبة المئة مليار درهم، مع تشريعات عسيرة وجلسات طويلة في البرلمان وآليات معقدة للرقابة وإشراف ملكي على صناديق خاصة باستثمار تلك العائدات… بينما “أكلت” الحكومة الحالية الثمانين مليار درهم ولم نعرف أين صرفت ولا لماذا بيعت ممتلكاتنا العقارية.
الوضع مع هذه الحكومة يشبه رب أسرة مفلس، تحايل على أهله ببيع البيت الذي يقيمون فيه أو الأرض التي يزرعونها، مقابل كرائها له من طرف المالك الجديد، ثم عاد إليهم بمصروف البيت وحلويات وهدايا رخيصة ليقول إن الأمور بخير، دون أن يشعر المساكين أنهم يأكلون رأسمالهم، وقد يأتي غدا أو بعد غد من يطالبهم بالرحيل والإفراغ.
عملية البيع والتفويت شبه السري التي تقوم بها الحكومة، تجعل مؤسسات وخدمات سيادية وحيوية في أية دولة، تقع في دائرة اقتصادية مرتفعة المخاطر، بما أن مقرات المستشفيات والإدارات تصبح مجرد ممتلكات عقارية في محاسبة مؤسسات تقوم بأنشطة مالية وتجارية، قد تجعلها غدا أو بعد غد في أزمة تفرض عليها رهن أو بيع هذه العقارات، وبالتالي يمكن أن يجد المريض المغربي نفسه غدا أمام عون قضائي يطالبه بمغادرة سريره لأن “مول الملك” قام بتنفيذ حكم بالإفراغ.
الأدهى والأمر في ما يجري، أن الحكومة لم تكن “لالة ومولاتي” حتى وهي تأكل رأس المال، ولم تقنع رساميل خاصة ب”الاستثمار” في بنايات الدولة (وهل من عاقل يستثمر في عقارات متهالكة؟)، وكل ما في الأمر من ابتكار هو وضع الحكومة يدها على أموال ومدخرات المغاربة في صناديق التقاعد والاحتياط الاجتماعي، لضخها في ميزانيتها وإنفاقها في التسيير والتغطية على العجز، وبالتالي أصبحنا “لا ديدي لا حب الملوك”، مدخرات و”شقا عمرنا” بتعبير إخوتنا المصريين، “باح”، وبنايات مؤسساتنا الخدماتية والاجتماعية بيعت، وكل هذا بسبب غياب برلمان حقيقي يقوم بوظيفته الأصلية التي هي مراقبة الإنفاق العمومي وتقييد يد الحكومة في التصرف في المال العام.
مع من “تشاورت” الحكومة لتستبيح أموال المتقاعدين والعجزة والأيتام، وتبيع عبر عقود إذعان مع صناديق ومؤسسات حيوية، بنايات يفترض فيها ضمان الولوج إلى خدمات أساسية وحيوية؟ وإين صرفت الحكومة هذه الأموال؟ وهل التوازن الحالي للميزانية حقيقي أم “مبتكر” بمعنى مغشوش؟
لا جواب بطبيعة الحال، لأن المخوّل دستوريا بالمساءلة، أي البرلمان، تحت التخدير، الله يكعّد وسادو!