تقرير: خواريزميات الاستهداف قد تقصي فئات مستحِقَّة من الدعم المباشر

سلطت ورقة بحثية حديثة صادر عن مركز كارنيغي للسلام الدولي الضوء على الخواريزميات المتحكمة في نظام تحديد المستفيدين من البرامج الاجتماعية الرقمية كالدعم الاجتماعي المباشر والتغطية الصحية، مشيرا إلى أن بعض العيوب التقنية والمعايير الصارمة في هذه الخواريزميات قد تؤدي إلى “إقصاء غير عادل للعديد من الأسر الأكثر احتياجاً للمساعدة”.
واعتبر الورقة التي أنجزها الباحث عبد الرفيع زعنون لفائدة المركز أن الاعتماد على الوسائل التقنية في تحديد الأفراد والعائلات المستفيدة من البرامج من شأنه عقلنة منظومة الاستهداف، وخاصة فيما يتعلق بالتحكم في التكاليف التشغيلية للبرامج الاجتماعية، وتوفير مخصصات مالية بالإضافة إلى الحد من حالات تعدد استفادة نفس الأشخاص والأسر من البرامج الاجتماعية، وكذا التصدي للاحتيال.
في المقابل، أثارت الوثيقة أسئلة حول صدقية البيانات الاجتماعية المجمَّعة بالسجل الاجتماعي الموحد، ومدى تعبيرها عن حقيقة الوضع السوسيو-اقتصادي للأسر المستفيدة والمرشَّحة للاستفادة من البرامج الاجتماعية، خاصة في ظل محدودية انكشاف الحياة المالية، كتدني معدل التوفر على حسابات بنكية.
وتابع المصدر ذاته، أن خوارزميات السجل الاجتماعي الموحد تستند على عناصر غير مُنتِجة تفضي بكيفية أوتوماتيكية إلى “استبعاد عشرات الآلاف من الأسر من التحويلات المستهدِفة” كالحصول على أجهزة بسيطة كامتلاك دراجة نارية، أو امتهان حرفة بسيطة بالكاد تسد لقمة عيش الأسرة.
وأشار مثلا إلى أن اقتناء قنينة غاز كبيرة أو شحن الهاتف برصيد لا يتجاوز دولارين أو تجاوز الفاتورة الشهرية للكهرباء ل 10 دولارات قد يجعل الأسرة “محرومة من الدعم الاجتماعي المباشر” بسبب تجاوز المؤشر الاجتماعي لعتبة 9,74.
نفس الأمر ينطبق على منظومة التأمين الاجتماعي، تضيف الورقة، وذلك في ظل اختلالات الفرز الإلكتروني (Electronic sorting) بين المستفيدين بشكل مجاني من التغطية الصحية وبين المُلزَمين بأداء واجبات الاشتراك بحكم تجاوزهم لعتبة 9,32،.
في هذا السياق، ذكَّرَت بأن معطيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تفيد بأن 92% من الأشخاص غير الأجراء الملزمين بأداء أقساط الاشتراك يتراوح مؤشرهم الاجتماعي بين 9,32 و 9,51، مما يعني أنهم ينتمون من الناحية الفعلية للفئات الهشة، مستدركة أن “المعالجة الرقمية تأبى إلا أن تزيحهم من آلية التضامن إلى آلية الاشتراك بتوجيه من المستوى السياسي”.
وأبرزت الورقة أن الهندسة المعلوماتية لمنظومة الاستهداف مُصمَّمة بكيفية تقاطعية تقود بشكل آلي إما إلى “تحقيق الاستفادة الكاملة أو إلى تكريس الإقصاء التام من حزمة برامج المساعدة والحماية”.
وتابعت أن “حرمان شخص من الضمان الاجتماعي بسبب ارتفاع المؤشر العددي ينجم عنه استبعاده من نظام التحويلات النقدية المباشرة، ومن باقي أشكال الدعم الاجتماعي، كالمنح المخصصة للتلاميذ والطلبة، وكذا المساعدات الغذائية التي تقدمها مؤسسة محمد الخامس للتضامن”.
ولتجاوز هذه الاختلالات، تقترح الوثيقة إحاطة خوارزميات الاستهداف بضمانات حقوقية لتفادي “الإقصاء المُمنهج” في حق العديد من الفئات المستحقة، من خلال تدقيق المتغيرات السوسيواقتصادية المُحدِّدة لمعادلة احتساب الاستحقاق حتى لا تُصبِح عديمة الفائدة.
كما دعت إلى أنسنة التدبير الرقمي للبيانات الاجتماعية بُغية جعله منفذا للتمكين للحقوق بدل توظيفه سياسيا كأداة للاستبعاد المُمَنهج، وهو ما يفرض الانطلاق من المقاربة الحقوقية عند رقمنة قواعد معطيات شبكات الأمان الاجتماعي لِكَبح النزوع السياسي نحو تبسيط حياة الناس، باعتماد معايير أكثر مرونة.
كما أكدت على التَّبِعات السوسيو-اقتصادية للرقمنة، وخاصة فيما يتعلق بتغذية الأنشطة غير المُهيكَلة، فتخوف قطاع واسع من العاملين بالأنشطة غير المنظمَّة من عدم الاستفادة من البرامج الاجتماعية جراء انكشاف معطياتهم المالية يدفعهم نحو مُقاومة محاولات إدماجها بالاقتصاد الرسمي