في تقديم كتابه “فخ الهويات”.. أوريد يحذر من تحول الهوية إلى أداة للصراع

قال حسن أوريد، الأستاذ الجامعي والأديب والمؤرخ، والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، إن “خطاب الهوية، رغم شرعيته كطلب إنساني، يحمل في داخله مخاطر عميقة تكمن في طبيعته الثنائية، فهو خطاب يكرس التمجيد الذاتي وينظر إلى الآخر من منطلق العداء أو التهميش، مما يجعله قوة مُجزئة تهدد اللحمة الاجتماعية”، مضيفا أن “هذه المفارقة بين حق الطلب الهوياتي وخطورته تكمن في ضرورة تأطيره للحفاظ على التوازن ومنع أي انزلاق نحو الانقسام”.
وتابع أوريد خلال تقديم كتابه “فخ الهويات” في لقاء نظمته مؤسسة علي يعته الخميس 26 يونيو 2025، أن “كل خطاب هوياتي، مهما كان مصدره، يبدأ بتمجيد الذات، حيث تُرفع اللغة أو الدين أو العرق إلى مرتبة الأسمى، مما يمنع الانفتاح على الآخر”، موضحا أن “هذا التمجيد الذاتي يشكل حاجزًا أمام الحوار والتفاهم، ويعزز النزعة الانغلاقية”.
وأضاف في هذا السياق، أن “المحذور الثاني، وهو الأخطر، يتمثل في ميل الخطاب الهوياتي إلى شيطنة الآخر، إذ لا تقوم الذات إلا من خلال وجود خصم يُنظر إليه كسبب للمعاناة”، مبرزا أن “هذه العملية تجعل الخطاب الهوياتي يستمد وجوده من نفي الآخر وتمييزه”.
كما أشار إلى أن “خطاب الهوية يتغذى أيضًا على المظلومية، لكنه لا يكتفي بها بل يبالغ في تصويرها، مما يحول المطالبة بالعدالة إلى تعميق للتوترات والانقسامات”، ملفتا إلى أن “الغلو في المظلومية يُضعف فرص التعايش السلمي والتفاهم بين مكونات المجتمع”.
ونبه أوريد إلى أن “أخطر ما في خطاب الهوية هو نظرته إلى الآخر انطلاقًا من الذات، والذي يؤدي إلى رؤية مغايرة للعالم تختلف عن التيار السائد، فتتغير التفسيرات للواقع والتاريخ والقوانين”، موضحا أن “هذا الاختلاف في الرؤية يُنتج حالة من التوتر وعدم الانسجام”.
وفي هذا الإطار، شدد المتحدث على أن “غياب عقد اجتماعي قوي يؤطر الاختلاف ويضبطه قد يؤدي إلى تفكك بنية المجتمع، إذ بدون وجود إطار جامع يضم مختلف الهويات ويحدد قواعد العيش المشترك، تتحول الاختلافات إلى عوامل تفرقة وتنازع”.
وتابع أن “الهويات هي بالفعل تمثل واقعا لا يمكن تجاهله أو القفز عليه، إذ أنها ليست مجرد شعور عابر، بل طلب يحمل شرعية حقيقية داخل المجتمعات”، مستدركا أن “الحديث عن الهوية بالمفرد هو اختزال لا يعكس الواقع، إذ إن كل مجتمع يتشكل من هويات متعددة ومتنوعة تُشكّل طبيعة تركيبة الوطن الاجتماعية والتاريخية”.
وبناء على ذلك، أكد أن “الحديث عن هوية وطنية موحدة وصارمة ليس المنطلق الصحيح، بل يجب الاعتراف بوجود هويات متعددة تتعايش داخل الوطن الواحد”، موضحا أن “هذا الاعتراف ضروري لفتح المجال أمام التعددية، ومنع تغليب انتماء معين على حساب الآخرين، من أجل تعزيز التوازن والاستقرار داخل المجتمع”.
وأضاف أن “الهويات لا تلغي مفاهيم أخرى مهمة مثل الشخصية الوطنية الجامعة، بل يجب أن تتعايش معها بانسجام”، مضيفا أن “لكل بلد شخصية خاصة تتشكل من تفاعل الهويات المختلفة ضمن إطار جامع يعكس الهوية الوطنية الشاملة”.
وفي نفس السياق، حذر أوريد من أن “الاعتراف المفرط بالهويات دون تحقيق توازن قد يؤدي إلى طغيانها على مفهوم المواطنة، مما يُفضي إلى تهميشها”، ولذلك، أكد أن “التعايش المتوازن بين الهويات والمواطنة هو السبيل لضمان حقوق وواجبات متساوية لجميع مكونات المجتمع”.
كما شدد على أن “خطاب الهوية لا يمكن أن يستمر بلا إطار قانوني واضح ينظم العلاقة بين هذه الهويات ويحد من انزلاقاتها”، مشيرا إلى أن “تجريم العنصرية وازدراء الأديان هو أمر ضروري، لأنهما يتجاوزان كونهما آراء أو حرية تعبير، بل يمثلان تجاوزات تهدد الاستقرار والعدالة داخل المجتمع”.