أكاديميون ينتقدون تراجع أدوار النخبة المغربية وتأثيرها في صناعة القرار

أكد أكاديميون وباحثون أن النخبة المغربية تعيش “أزمة بنيوية” عميقة في زمن التغيير، حيث فقدت دورها التأطيري والتوجيهي، وأصبحت عاجزة عن مواكبة التحولات المجتمعية والسياسية، وذلك خلال ندوة علمية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني، الثلاثاء 24 يونيو 2025، تحت عنوان: “النخبة المغربية في زمن التغيير: من صناعة القرار إلى أزمة التأثير”.
عقم تنظيري وفقدان للبوصلة
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي محمد شقير، في حديثه عن الوضع الحالي للنخب السياسية في المغرب، إن “هذه النخب تعاني من عقم تنظيري واضح، ما ينعكس في الخطاب الشعبوي السائد”، مبرزًا أن “النخب الحالية لم تعد قادرة على إنتاج مفاهيم وأسس فكرية جديدة، بل باتت تتبادل التراشق السياسي دون تقديم حلول ملموسة”.
وأكد شقير أن “هذا العقم التنظيري وفقدان البوصلة التأطيرية الذي باتت تعاني منه النخب السياسية الحالية تسبب في تمييع المشهد السياسي في البلاد، كما أفضى إلى عزوف شريحة واسعة من المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية، خاصة من فئة الشباب الذين كانوا ينظرون للحياة السياسية من زاوية مختلفة، حيث كان التأطير الفكري والسياسي حاضراً بشكل أقوى لدى النخب السابقة”.
وتابع المتحدث أن “النخب السياسية لم تعد قادرة على التقاط أي تحول مجتمعي ذي دلالة سياسية، واستيعاب التحولات الاجتماعية التي يشهدها المغرب، بدءاً من حراك 20 فبراير، الذي كان يمثل قوة تغيير حيوية”، موضحًا أن “هذه الحركات الشعبية لم تجد تأطيرًا سياسيًا أو فكريًا يرافقها، ما أفرز حالة من الشلل الفكري والتنظيمي داخل الساحة السياسية”.
كما أشار إلى أن “الفجوة الواسعة بين النخب والحركات الاجتماعية تعكس أزمة بنيوية خطيرة تهدد الفعل السياسي برمته، إذ أن هذه النخب أصبحت في واد، بينما الحركات في واد آخر، ما أضعف قدرتها على التأثير وصناعة المعنى”، داعياً إلى “تجديد النخب وتحول الأحزاب من كيانات وطنية تقليدية إلى أحزاب مواطِنة تساهم في بناء مشروع سياسي شامل”.
خطاب حقوقي ضعيف
من جانبها، أشارت جملية السيوري، الناشطة الحقوقية ورئيسة مركز عدالة، إلى أن “النخبة الحقوقية في المغرب أصبحت تتبنى بشكل متزايد الخطاب الرسمي للدولة، تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار وتجنب الفوضى”، موضحة أن “هذا التحول في الخطاب أضعف الطموحات الإصلاحية، وجعلها تقتصر على مطالب متواضعة لا تتجاوز حدود ما هو منصوص عليه في الدستور، بدلًا من السعي إلى تغيير بنيوي حقيقي”.
وأوضحت السيوري أن “الخطاب الحقوقي في المغرب شهد تطورا وانفتاحا نسبيا، ولكنه ظل مراقبًا، ما جعل المجتمع المدني يتحرك ضمن هامش محدود لا يسمح له بتجاوز خطوط معينة”، مضيفة أن “هذا الواقع دفع الخطاب الحقوقي إلى السعي للتوفيق بين الضغط من أجل التغيير وبين تجنب الصدام مع الدولة، ما أدى إلى إضعاف قدرته على إحداث تحول جذري وخلق نوع من القطيعة مع المطالب الأساسية للتغيير”.
وأبرزت الحقوقية أن “الاعتماد على المرجعية الدولية مع التمسك بالخصوصية المغربية خلق نوعًا من الازدواجية في الخطاب الحقوقي، مما جعل السقف الحقوقي في المغرب لا يتجاوز التفعيل الرمزي للدستور، دون أن يرتقي إلى تغيير حقيقي في الواقع”، مؤكدة أن “هذا الأمر يعكس أزمة عميقة في النخبة الحقوقية، التي أصبحت أسيرة لنمط إصلاحي محدود”.
وفي غضون ذلك، شددت السيوري على “ضرورة إنتاج نخبة جديدة، تكون مستقلة فكريًا وتنظيميًا، وتحمل مشروعًا تحرريًا متكاملاً يربط بين المطالب الحقوقية والإصلاح السياسي الشامل”، لافتة إلى أن “هذه النخبة يجب أن تتحرر من التبعية للمؤسسات الرسمية، وأن تتوجه أكثر نحو الحركات الاجتماعية التي تمثل نبض الشارع، لتجاوز البعد التقني في العمل الحقوقي الذي أصبح منفصلًا عن الواقع الشعبي”.
نخبة ثقافية محبَطة
وفي سياق الحديث عن النخبة الثقافية، أوضح الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد، أن “العلاقة بين النخبة الثقافية والدولة، ومنذ زمن طويل، تتسم بالتفاوت والتشظي، نتيجة تردد الدولة في تبني خيارات ثقافية واضحة”، معتبرا أن “هذا التردد أدى إلى إحباط المشاريع الفكرية الكبرى، وفشل النخبة في التأثير داخل الفضاء العام”.
وأشار إلى أن “التحدي الآخر الذي تواجهه النخبة الثقافية اليوم يتمثل في ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار المؤثرين”، موضحًا أن “هذه المنصات الرقمية خلقت نوعًا من العنف الرمزي الذي دفع العديد من المثقفين إلى الانكفاء والتراجع، إلى جانب ضعف التفاعل مع الكتابات والمقالات الفكرية في الفضاء الرقمي”.
وشدد عصيد على أن “النخبة الثقافية تعاني اليوم من أزمة مزدوجة، إذ إنها غير مفهومة من قبل المجتمع، وغير مسموعة من قبل الدولة”، مشيرا إلى أن “الدولة، رغم استعانتها أحيانًا بالمثقفين في صياغة بعض السياسات أو التشريعات، إلا أن هذه النصوص غالبًا لا تُفعّل، وهو ما يكرّس الإحباط داخل صفوف النخبة”.