story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

شقق سكنية لمتضرري “السانية الغربية”.. أمل وسط محيط اليأس

ص ص

حجبت أتربة الهدم في “السانية الغربية” حقيقة ما يقع على الواجهة البحرية لحي المحيط، وبعد أسابيع من الشد والجذب أشاع أعوان السلطة المحلية بالرباط وممثلون عن مجلس المدينة خبر تعويض بعض الأسر المتضررة من عمليات الهدم بشقق سكنية بمدينة تمارة، مع تقديم تسهيلات بنكية لتغطية تكلفتها.

هذه الخطوة قوبلت بترحيب مشوب بالحذر، خاصة مع استمرار الجدل حول المساطر القانونية المتبعة، وحقوق الملاك والمكترين، ومصير الفئات غير المشمولة بالتعويض.

خطوة إيجابية لكن غير شاملة

أكد مصدر من السلطة المحلية بالرباط لصحيفة “صوت المغرب” أن التعويض يشمل الأسر الهشة من المكترين، “ولا يطال جميع السكان، حيث تم تحديد المنطقة المشمولة بالمبادرة بين شارع المختار الجزولي والسانية غربية، بتنسيق مع الأملاك المخزنية”، وفق المصدر الذي أكد أن هذه العملية ستتم بالموازاة مع تسويات طوعية لبعض الملاك، خصوصًا أصحاب المحلات التجارية، عبر صفقات بيع وشراء ودية.

بعض السكان استقبلوا القرار بارتياح، خصوصًا الأسر التي كانت تعيش في منازل قديمة مهددة بالانهيار، إذ قال أحد المستفيدين لـ”صوت المغرب”: “عشنا سنوات في بيوت متهالكة بدفع إيجارات زهيدة، ولم نكن نملك أي بديل. اليوم، ننتقل إلى شقق جديدة بشروط ميسرة، وهذا أمر إيجابي.”

في المقابل يرى آخرون أن القرار جاء متأخرًا، وأنه لا يعوض بشكل منصف جميع الفئات المتضررة، حيث تقول إحدى القاطنات المتضررات: “نحن ممتنون لتدخل السلطات، لكن لماذا لم يتم أخذ وضعيتنا بعين الاعتبار منذ البداية؟ ماذا عن الذين لم تشملهم لوائح المستفيدين؟”.

إشكالات قانونية و مسطرية

رغم هذا القرار، لا تزال العديد من الإشكالات القانونية عالقة، حيث يتساءل حقوقيون وخبراء قانونيون عن مدى احترام المساطر المتبعة، خصوصًا في ظل غياب وثائق واضحة تحدد طبيعة التعويضات ومعايير الاستفادة.

في هذا السياق، يؤكد فاروق المهداوي، المحامي وعضو فدرالية اليسار في مجلس مدينة الرباط، في ندوة صحافية نظمتها الفيدرالية الأسبوع الماضي، “أن عمليات الهدم لم تستند في جميع الحالات إلى قانون نزع الملكية من أجل المصلحة العامة أو أحكام قضائية نهائية، وهو ما ينزع عنها طابع الشرعية، فمصير المكترين مازال مجهولا والملاك لم يحصلوا على تعويضات عادلة”، حسب المهداوي.

“صوت المغرب” زار المحيط بعد الندوة الصحافية التي عقدتها عمدة المدينة فتيحة المودني، الجمعة 14 مارس 2025، واستطلع آراء المتضررين حول ما جاء فيها وقد رأى المستجوبون أن الأسئلة مازالت عالقة خاصة تلك المتعلقة بلائحة المستفيدين من الشقق في مدينة تمارة. “من هم؟ كم عددهم؟ ما هي المعايير المعتمدة لانتقائهم؟ وكيف سيستفيدون من قروض لا يملكون ضمانا لها؟ وهل الشقق في تمارة مجهزة؟ أم في طور البناء؟ وغير من الأسئلة التي مازالت تقض مضجع النائمين تحت الركام المطل على المحيط”.

لم تحمل الندوة الصحافية التي عقدتها عمدة المدينة بمقر مجلس بلدية الرباط، أجوبة للحيارى حيث أكدت المودني أن عمليات الهدم الجارية في حي المحيط لا تندرج ضمن إطار نزع الملكية، بل تتم وفق معاملات رضائية بين الملاك والمشترين.

وعندما طُرحت عليها أسئلة حول هوية الجهة المشترية، أوضحت أن الأمر يتعلق بإدارة أملاك الدولة التابعة لوزارة المالية، والتي تعمل على اقتناء هذه العقارات بهدف تنفيذ مشروع يهدف إلى تحويل الحي إلى قطب سياحي، تماشيًا مع مخطط التهيئة الحضرية.

غير أن بعض الأسئلة بقيت دون إجابات واضحة، أبرزها ما يتعلق بتدخل موظفين عموميين في الضغط على السكان، خاصة المكترين الذين عاشوا في الحي لسنوات طويلة، لإجبارهم على الإفراغ. رد العمدة كان مقتضبًا، إذ نفت علمها بحدوث أي ضغوط، مشيرة إلى أن أي متضرر يمكنه تقديم شكاية في الموضوع.

كما لم تقدم العمدة تفسيرًا واضحًا حول سبب تحديد أملاك الدولة لسعر المتر المربع في 13 ألف درهم، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى شفافية هذه العملية ودرجة توافقها مع القيمة السوقية الحقيقية للعقارات في المنطقة.

آثار اجتماعية محتملة

رغم “الامتيازات” الموعودة، فإن ترحيل السكان من حي المحيط إلى مناطق مثل تمارة أو تمسنا قد يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة. أحد أبرز المخاوف يتعلق بالابتعاد عن مصادر الرزق، حيث يعتمد العديد من المتضررين على أنشطة تجارية صغيرة داخل الحي، مثل المحلات والمقاهي والخدمات المحلية، والتي تشكل مصدر دخل أساسي لعائلاتهم. نقل هؤلاء السكان إلى بيئة جديدة، قد لا توفر لهم نفس الفرص الاقتصادية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى فقدانهم لمواردهم المالية وتعقيد أوضاعهم المعيشية.

إلى جانب العامل الاقتصادي، يبرز نقص الخدمات الاجتماعية كإشكال آخر يؤرق السكان، خاصة إذا تم توطينهم في أحياء السكن الاقتصادي التي تفتقر إلى المرافق الأساسية مثل المستشفيات، المدارس، ووسائل النقل الكافية. هذه العوامل قد تجعل التأقلم أكثر صعوبة، خصوصًا للعائلات التي كانت تعتمد على شبكة اجتماعية قوية في حي المحيط، حيث يسود التضامن بين الجيران والأقارب.

أما على المستوى الاجتماعي، فإن الترحيل قد يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتغيير نمط الحياة المعتاد، مما يخلق شعورًا بالعزلة والتهميش. بعض الخبراء يحذرون من أن الإحساس بانعدام الآفاق في المناطق الجديدة، خصوصًا لدى الشباب، قد يكون بيئة خصبة لظهور مشكلات اجتماعية مثل البطالة، الانحراف وحتى ارتفاع معدلات الجريمة، وهو ما يجعل من الضروري التفكير في استراتيجيات مصاحبة لضمان اندماج سلس للسكان في مجتمعاتهم الجديدة.

ما التالي؟

لا يبدو أن عمليات الهدم وإعادة التهيئة ستتوقف عند حي المحيط، إذ تشير معطيات متداولة إلى أن المشروع يمتد ليشمل أحياء أخرى داخل الرباط، مثل حي العكاري وحي يعقوب المنصور وأجزاء من المدينة العتيقة، حيث تخطط السلطات لتحويل هذه المناطق إلى فضاءات حديثة تتماشى مع التصور الجديد للعاصمة كوجهة سياحية واستثمارية.

مصادر مقربة من ملف التهيئة تؤكد أن هذه العمليات تندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى إعادة هيكلة أحياء تاريخية، إما عبر تجديد بنياتها التحتية أو تحويلها إلى مشاريع ذات طابع اقتصادي وسياحي. غير أن هذه الخطط تصطدم بمخاوف اجتماعية، إذ يخشى السكان من أن تؤدي عمليات الهدم إلى تهجيرهم إلى ضواحي بعيدة، في ظل غياب بدائل واضحة تضمن لهم استقرارًا اجتماعياً واقتصادياً.

ويؤكد متابعون للملف أن حي المحيط ليس سوى البداية، وأن موجة الهدم قد تتوسع خلال السنوات القادمة، مما يطرح أسئلة ملحة حول مصير مئات الأسر، ومدى استعداد الدولة لتوفير حلول عادلة ومنصفة توازن بين ضرورات التحديث وحقوق السكان.

*كنزة احسيني الخاضير