story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

إيران تدخل الحرب!

ص ص

قبل أشهر كان مستبعدا أن تدخل إيران “حرب غزة”، وبقي الأمر كذلك إلى أن استهدف الكيان الصهيوني قنصليتها في دمشق، لتصبح دولة “ولاية الفقيه” أمام اختيارات لعل أبرزها: الرد المباشر في حدود معينة، دخول الحرب بردّ موسّع وتصعيدي، الردّ عن طريق الحلفاء (“الوكلاء”)، عدم الردّ بتأجيل الردّ لسياق لاحق أو بتصريفه اقتصاديا أو سياسيا..

كلها احتمالات كانت واردة قبل أمس (13 أبريل 2024)، أي قبل أن تردّ إيران بقصف محدود ومنتظر (بعد التهديد الإيراني) عن طريق المسيرات والصواريخ الباليستية. وقبل الحديث عن آثار الردّ الإيراني وما قد يترتب عنه، وجب الحديث عن سياقه ومسبّباته الحقيقية. فمن شأن عدم الانتباه لسياق هذا الهجوم أن يفسد التحليل، ويدخلَ صاحبه في متاهات من التهوين أو التهويل، وكذلك من إقامة نوع من المقارنات التي لا تستقيم، خاصة مع الموقف العربي.

نظرا لارتباط مصالح إيران بمصالح فصائل المقاومة في المنطقة -وهنا نتحدث عن المصالح الجيوسياسية بالتحديد-كانت أول داعميها عسكريا ولوجيستيا. وسياسة إيران في ذلك الاكتفاء بهذا الدعم، دون الدخول في حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني، إلا ما يحدث عن طريق حلفائها وو”كلائها” (“حزب الله”/ لبنان، الحوثيون/ اليمن، الحشد الشعبي/ العراق… الخ). إذن، هل دخلت إيران الحرب بهجومها أمس؟ ولماذا تدخلت إيران مباشرة في هذا الوقت بالذات؟

الملاحظ هو أن الغرض من الهجوم الإيراني ليس دخول الحرب، بل ممارسة نوع من الردع بعد قصف قنصلية طهران في دمشق؛ وعلى ذلك قرائن هي: حدود الهجوم، وتصريح مسؤولين إيرانيين لدى الأمم المتحدة بكونه يدخل في خانة الردّ، والضغط الأمريكي على “إسرائيل” بعدم الردّ (اتصال بايدن بنتنياهو حسب وسائل إعلام أمريكية). وهكذا فالسبب المباشر للهجوم هو قصف القنصلية، أما سياقه فمرتبط بواقع جيوسياسي إقليمي ودولي. فإقليميا، تتخبط “إسرائيل” في تناقضاتها الداخلية التي عززها صمود المقاومة الفلسطينية وقابلية المنطقة للاشتعال وتخوف أمريكا من اتساع دائرة الحرب. أما دوليا، فليست الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على مجاراة حرب إقليمية تستنزفها في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى استنزاف آخر تعانيه في الحرب الروسية الأوكرانية.

إن الخط الوسط بين الردع الإيراني والتخوف الأمريكي من اشتعال حرب إقليمية، كان هو الهجوم الإيراني الذي كبّد الكيان الصهيوني خسائر مادية ومعنوية، دون أن ننسى المكاسب التي قد تتحقق ل”كيان نتنياهو” جراء ذات الهجوم، ودون إغفال ما يمكن ان يفرزه من فرص تستثمرها المقاومة الفلسطينية في مفاوضتها للأمريكيين و”الإسرائيليين”.. العملية إذن قد لا ترقى لطموحات كثيرين، إلا أنها عملية معقدة وتخاطب عدة جبهات وقوى سياسية دولية وإقايمية.

صحيح أن العملية أوقعت بالكيان خسائر في البنى التحتية (بعضها استراتيجي كالمطارات العسكرية)، وصحيح أنها اخترقت “أجواءه” بتدبير وتنفيذ من دولة ذات سيادة، لا من مقاومة مسلحة كما يحصل عادة. إلا أن هذا لا يعفينا من اعتبار ما قد تحققه العملية لحكومة نتنياهو من مكتسبات، من قبيل كسر بعض الحصار الدولي والشعبي (إذا استثمِر الهجوم إعلاميا)، وكذا رفع الحظر عن صفقات سلاح لفائدة “إسرائيل”، بالإضافة إلى انفراجات متوقعة في العلاقة مع بعض الدول العربية..

خلاصة نقول؛ من ينظر للعملية بعين المكتسبات الحالية، فهي لا تخرج عن تعزيز قوة إيران في المنطقة وتوفير بعض الفرص للضغط على الكيان الصهيوني (من قبل أمريكا والمقاومة ودول أخرى).. أما بعين استراتيجية، فالعملية تعبر عن بداية مرحلة جديدة في الشرق الأوسط. وليس هذا حكما للاصطفاف هنا أو هناك، فإيران دولة تدافع عن مصالحها كباقي الدول، والمقاومة الفلسطينية أول من يعرف ذلك!