story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حمزة الأنفاسي يكتب: التاكسي قاطع الطريق

ص ص

انتشرت في الأسابيع الأخيرة مجموعة من مقاطع الفيديو لعدد من سائقي سيارات الأجرة في مدينة الدار البيضاء، خصوصا وهم يقطعون الطريق أمام ما يعتبرونه سائقي سيارات يستعملون تطبيقات هاتفية مختلفة لنقل المواطنين، ويستعملون العنف في أحيان عديدة لبث الرعب في صفوف سائقي التطبيقات وزبنائهم.
بغض النظر عما إذا كانت هذه التطبيقات مرخصا لها أم لا، فاستعمال أفراد للعنف من أجل استخلاص حق هو أكبر تهديد لسيادة الدولة وماهيتها بالأساس. في العلوم السياسية، أهم شروط الدولة هو الاستعمال الفريد للعنف الشرعي.
مثلا، عند إطلاق شرطي للرصاص على مجرم يهدد سلامة المواطنين، فهذا يعتبر عنفا شرعيا، لأن ممثل الدولة هو من يستعمل العنف من أجل إرساء القانون. لكن، أن يأخذ شخص حقه بيده أو بدون العودة إلى الدولة فهذا تهديد كبير للدولة ولسيادتها. حيث إن المتتبع يمكنه أن يفهم أن هذا الذي يأخذ حقه بيده لا يعترف بالدولة أو سيادة القانون.
وبالعودة إلى سائقي الأجرة، فالمتتبع يمكن أن يفهم أنهم لا يكترثون لسيادة القانون أو الحق الفريد للدولة في استعمال العنف. الطامة الأكبر هي أن الكثير من هذه الاحتكاكات بين سائقي سيارات الأجرة تكون تجاه أشخاص لا علاقة لهم البتة بتطبيقات نقل المواطنين.
على سبيل المثال، لدي صديق كان يريد أن يُقِلَ زوجته فإذا بمجموعة من سائقي سيارات الأجرة تحاصر سيارته وتتهمه بأنه يستعمل التطبيقات. أي أن مواطنا بريئا تم احتجازه من طرف مواطنين بدون صفة ضبطية وإرهابه هو وزوجته فقط لأن سائقي سيارات الأجرة ظنوا أنه يستعمل التطبيقات، حتى بدون أن يكونوا متأكدين من الأمر. ماذا لو لم يتمالك صديقي نفسه وشرع في استعمال العنف للدفاع عن نفسه بشكل مشروع ضد من يقطع الطريق أمامه؟
أما الأعذار التي يطرحها سائقو سيارات الأجرة فهي أعذار واهية ولا تكاد تنطلي عليهم هم أصلا. الحديث أولا يبدأ بأنهم لديهم رخصة الثقة وكأنها رخصة سحرية مقدسة. دول بالعشرات أكثر تطورا من المغرب لا تشتغل بمنطق رخصة الثقة هذه ولا نرى مشاكل تذكر لديهم في مجال النقل العمومي.
ثم إن الكل يعرف ظروف إصدار تلك الرخص التي أعطي البعض منها لأشخاص ذوي سوابق عدلية مختلفة، منها المتعلق بالعنف. ثم إن كان الأمر يتعلق بالثقة في السائق، فالمغرب خطى خطوات ثابتة تجاه رقمنة رخص السياقة والبطاقات الرمادية للسيارات، أي أنه بإمكان السلطات فرض مسار واضح “للثقة” في أصحاب التطبيقات من خلال رخص سياقتهم والبطائق الرمادية لسياراتهم. وإن كان هناك أي مشكل بين السائق والزبون فمن السهل جدا العودة إلى السائق من خلال وثائقه المرقمنة.
أما في ما يخص التعرف على أسماء الأزقة والشوارع، فنظام تحديد المواقع (جي پي إس) أكثر معرفة بأسمائها من سائقي الأجرة مجتمعين. أما التحدي الأكبر في هذا المجال فهو رخصة سيارة الأجرة في حد ذاتها أو ما يسمى بالگريمات، وهي هبة ممن لا يملكها لمن لا يستحقها.
الكل يتذكر عندما أخذت حكومة بنكيران في نشر أسماء الحاصلين على تلك الگريمات، وتفاجئ الجميع بوجود أشخاص حاصلين على عشرات الرخص وأشخاص آخرين لا يستحقونها ومع ذلك يتمتعون بها كفنانين ولاعبين سابقين و… إذا كان الغرض هو ضمان حياة كريمة لمكفولي الأمة من أشخاص في وضعية إعاقة وأرامل قدماء المحاربين وجيش التحرير وغيرهم، فيمكن القيام بذلك دون هذه الفوضى التي نراها اليوم.
أخيرا، العالم يتطور دائما وهناك مهن كثيرة يتم الاستغناء عنها يوميا بسبب تعويضها بمهنة أخرى أو أن التكنولوجيا جعلتها متجاوزة كسعاة البريد الذين نقص عددهم بسبب الإيميل ومصنعي صفائح الخيول التي كانت تستعمل في النقل وغيرها من المهن… فإما أن يحاول مزاولها التأقلم مع التحول الذي يعرفه محيطه أو يذبل في الماضي. وقد رأينا كيف تأقلم العديد من سائقي سيارات الأجرة في المغرب مع هذا التطور وصاروا أنفسهم يستعملون التطبيقات ويتحدثون عنها بإيجابية. أما ألا تريد أن تتأقلم وتطالب العالم بالبقاء جامدا ولا يتطور، وفي حالة رفضهم تقطع الطريق أمامهم وتهدد سلامتهم، فهذا سلوك همجي سيؤدي لا محالة إلى ما لا يحمد عقباه، خصوصا في ظل إقبال المغرب على تنظيم تظاهرات عالمية في المستقبل القريب.