هكذا تفاعل المغرب مع الانقلابات الإفريقية في ثلاث سنوات

مع الانقلاب الذي شهدته الغابون هذا الأسبوع، يرتفع عدد الانقلابات التي شهدتها القارة الأفريقية منذ غشت 2020 إلى سبعة، حافظت فيها الدبلوماسية المغربية على نمط تعامل شبه موحد، لا يخرج عن نطاق التريث قبيل الخروج بأي موقف رسمي، عادة لا يتنافى ونهج “الوسطية” والبلاغات الداعية إلى تحقيق الاستقرار ودعوة القوى الحية إلى إحقاق الأمن والأمان والابتعاد عن الاقتتال والعنف، بما يترجم العقيدة الدبلوماسية المغربية في النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية. في المقابل، فإن التعاطي المغربي تفاوت في سرعة التفاعل مع الانقلابات، حسب قرب البلدان المعنية من المغرب،

• مالي

تعد مالي من أكثر الدول الافريقية تسجيلا للانقلابات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتفاعل المغرب مع أولها في غشت 2020، بعد ساعات قليلة من الاعلان عنه، حيث أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بلاغا قالت فيه أن “المغرب بانشغال الأحداث الجارية منذ بضع ساعات في مالي”، وأشارت الوزارة في بلاغ لها إلى أن “المملكة المغربية المتمسكة باستقرار هذا البلد، تدعو مختلف الأطراف إلى حوار مسؤول، في ظل احترام النظام الدستوري والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية، من أجل تجنب أي تراجع من شأنه أن يضر بالشعب المالي”.

لم يكتف المغرب بالبيانات بل التقى سفيره بعد أيام قليلة بالكولونيل أسيمي غويتا، كما حل وزير الخارجية في أكتوبر 2020 بباماكو، بتعليمات ملكية، وأجرى محادثات مع الرئيس الانتقالي لجمهورية مالي، باه نداو، ونائب الرئيس الانتقالي، الكولونيل أسيمي غويتا، وكذا مع الوزير الأول الانتقالي، مختار أوان، وأيضا مع زعماء دينيين ماليين، منهم بويي حيدرا والإمام محمود ديكو.

وبالتزامن مع زيارة بوريطة لباماكو، أعن سفير المغرب في مالي آنذاك حسن الناصري، عن وجود وساطة مغربية لتحقيق انفراج في البلاد، وضمان استقرار مالي، من باب تجسيد العلاقات موصولة التي تمتد لعدة قرون، وإحلال السلام في المنطقة.

• بوركينا فاسو

في 24 من يناير 2022، أطاح جيش بوركينا فاسو بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري من السلطة، وتم تنصيب اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا رئيسا في فبراير، لكن في 30 شتنبر، عاد الجيش وأقال داميبا، وعين الكابتن إبراهيم تراوري رئيسا انتقاليا حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في يوليوز 2024.

أحداث النيجر، كان المغرب قد تفاعل معها في أكتوبر 2022، حيث عبر في بلاغ أصدرته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج عن قلقه إزاء الأحداث التي شهدتها بوريكنا فاسو، داعيا جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس، وتفضيل المصلحة العليا، والعمل من أجل أمن وطمأنينة الشعب البوركينابي.

إلى جانب الموقف السياسي من الأزمة، وجه المغرب رعاياه في بوركينا فاسو إلى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر والبقاء بمنازلهم في ظل الاضطرابات، مؤكدا على ضرورة التزام رعاياه بالتعليمات الصادرة عن السفارة المغربية في واغادوغو، واتباع التدابير الاحترازية التي قـد تدعو إليها السلطات في بوركينا فاسو.

• السودان

عاشت السودان على وقع انقلابات خلال السنوات الأخيرة، التزم فيها المغرب الصمت، وحافظ على مسافة بينه وبين ما يحدث على أرضها، وهو ما ترجمه حديث  السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا محمد عروشي، خلال اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي حول الوضع في السودان، في أكتوبر 2021، حيث جدد المغرب التأكيد، بأديس أبابا، على دعمه الكامل لجمهورية السودان في هذه المرحلة الانتقالية، التي انطلقت على أسس متينة يطبعها التضامن وروح التوافق بين مختلف المكونات السياسية والمجتمعية والعسكرية في السودان.

وقال العروشي إنه “لمن مسؤوليتنا المشتركة والجماعية دعم السودان في هذه المرحلة ودعم المجهودات التي تبذلها السلطات السودانية حاليا، خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي”.

وأوضح عروشي أن دعم هذه المجهودات سيسهل عملية الحوار الشامل من أجل السلام التي تقودها السلطات السودانية، كما حافظ على علاقات قوية مع السودان، رغم تعاقب حاكميه خلال السنوات الأخيرة، في المقابل حافظ المتعاقبون على السلطة في السودان على مواقف قريبة للمغرب، وداعمة له خصوصا في كل ما يتعلق بوحدته الترابية.

• غينيا 2021

خلال سنة 2021 عاشت غينيا انقلابا عسكريا وقع في الخامس من شهر شتنبر، أسفر عن إلقاء القبض على رئيس غينيا ألفا كوندي، بعد إطلاق نار في العاصمة الغينية كوناكري، وقام بالانقلاب عناصر في وحدة المهام الخاصة في الجيش بقيادة مامادي دومبوي، والذي أعلن في رسالة مسجلة عن حل الحكومة ووقف العمل بالدستور وإغلاق حدود البلاد.

الانقلاب في غينيا كانت له خصوصية بالنسبة للمغرب، حيث أن الرئيس المطاح ه، ألفا كوندي، من أكبر الزعماء الأفارقة دعما للمغرب، وفي سنة 2017، عمل كوندي بقوة على حشد الدعم لصالح عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، بصفته آنذاك رئيسا للمنظمة، وأكدت التسريبات الدبلوماسية حينها أنه كان في مقدمة رؤساء الدول الذين تصدوا لمحاولات التصويت ضد الطلب المغربي، وعلق هو بنفسه فيما بعد على ذلك بالقول إن “عودة المغرب للاتحاد الإفريقي ستقدم مساهمة فعالة لهذه المنظمة المفعمة بروح التضامن بين الشعوب الإفريقية”، وذلك عندما زار مدينة مكناس للمشاركة في افتتاح المناظرة الوطنية التاسعة للفلاحة.

وعلى عكس الانقلاب العسكري في مالي في غشت 2020، حيث أفصحت الرباط عن موقفها بسرعة، ودعت “الأطراف المختلفة إلى حوار مسؤول”، وإلى “احترام النظام الدستوري” و “الحفاظ على المكاسب الديمقراطية”، ففي غينيا، لم يعبر المغرب عنأي موقف من الانقلاب، فيما كان عليه تدبير أزمة منتخبه الوطني الذي وجد نفسه عالقا في غينيا، حيث كان من المفترض أن يواجه المنتخب المغربي غينيا،  ضمن التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال قطر 2022، إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” أعلن تأجيل المباراة “لضمان سلامة وأمن جميع اللاعبين ولحماية كل حكام المباراة”، وعلقت شركات الطيران رحلاتها، قبل أن يتمكن المغرب من إعادة لاعبيه في رحلة خاصة.

• تشاد 

تولى الجيش التشادي السلطة في أبريل 2021 بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أثناء زيارته القوات التي تقاتل المتمردين في الشمال، على الرغم من أنه وبموجب القانون التشادي، كان يجب أن يصبح رئيس البرلمان رئيسا للبلاد، ولكن مجلسا عسكريا تدخل وحل البرلمان باسم ضمان الاستقرار، وتم تعيين نجل ديبي الجنرال محمد إدريس ديبي رئيسا مؤقتا، وكلف بالإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرا للانتخابات.

المغرب تفاعل بسرعة مع الحادث، حيث وجه الملك محمد السادس برقية تعزية الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو، رئيس المجلس العسكري، إثر وفاة والده، كما حملت الرسالة الملكية موقفا من الانتقال السياسي في البلاد، حيث عبر الملك عن “قناعته بأن رئيس المجلس العسكري الانتقالي سيكون قادرا على قيادة الانتقال السياسي لجمهورية تشاد، وترسيخ أسس دولة مستقرة ومزدهرة”.

• النيجر 

عاشت النيجر على وقع انقلاب جديد في 26 يوليوز الماضي، حيث احتجز وأبعد الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم، ومن ثم أعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه زعيما للمجلس العسكري بعد فترة وجيزة من تأكيد نجاح الانقلاب.

وعلى الرغم من التفاعل الدولي السريع مع أحداث النيجر، خصوصا من طرف الدول الأوروبية ودول الجوار الافريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا، فقد تريث المغرب أربعة أيام قبل الإعلان عن موقفه، حيث أكد بأنه يتابع عن كثب الأحداث بالنجير، مؤكدا على أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد.

موقف المغرب لم يصدر على لسان وزير خارجيته أو في بلاغ لوزارة الخارجية باسم المغرب، وإنما جاء فقط على لسان السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، محمد عروشي، في كلمة له خلال اجتماع عاجل لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي حول الوضع بالنيجر، وقال فيه أن المغرب يثق في حكمة شعب النيجر وقواه الحية للحفاظ على المكتسبات، وعلى دوره الإقليمي البناء الهام، والعمل على تحقيق تطلعات شعب النيجر.

• الغابون 

أعلن عسكريون غابونيون “إنهاء النظام القائم” أمس الأربعاء، ووضع الرئيس علي بونغو أونديمبا قيد الإقامة الجبرية، وذلك فور صدور النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي كرست فوز بونغو بولاية ثالثة، ماأنهى حكم عائلة بونغو لهذ البلد، والذي تسمر لأكثر من 55 عاما.

وتفاعل المغرب مع الانقلاب بعد ساعات، في بلاغ أصدرته وزارة الخارجية، قالت فيه إن المملكة “تتابع عن كثب تطور الوضع في الجمهورية الغابونية”، وأضاف البيان أن الرباط “تؤكد على أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد الشقيق وطمأنينة ساكنته”.
وأكدت الوزارة في بيانها أن “المغرب يثق في حكمة الأمة الغابونية، وقواها الحية، ومؤسساتها الوطنية، للسير قدما نحو أفق يتيح العمل من أجل المصلحة العليا للبلد، وصون المكتسبات التي تحقّقت والاستجابة لتطلعات الشعب الغابوني الشقيق”.

ويرتبط البلدان بعلاقات وثيقة حيث يعد الغابون من أهم حلفاء المغرب في القارة الأفريقية، خصوصا وأن الملك محمد السادس تجمعه صداقة بالرئيس علي بونغو تعود إلى صباهما، وكانت علاقة صداقة قوية تجمع أيضاً والديهما، الملك الحسن الثاني والرئيس عمر بونغو، كما أن الرئيس المنقلب عليه يقضي وقتا في إقامة له بالمغرب، واختار الرباط لفترة نقاهته بعد مرضه في نهاية 2018، كما أن الملك محمد السادس يتردد على الغابون بشكل منتظم في زيارات خاصة، وأمضى فيها نحو ثلاثة أشهر مطلع العام، بحسب ما نقلت وسائل إعلام حينها.

• موقف رافض للانقلابات 

تخلى المغرب في السنوات الأخيرة عن المواقف الواضحة الرافضة للانقلابات في افريقيا على الخصوص، حتى لو تعلق الأمر بحليف مقرب، مثل ما وقع مع بونغو في الغابون أمس، ولم تخرج مواقفه من الانقلابات الافريقية الأخيرة عن الدعوة للتهدئة واستعادة نظام ديمقراطي والدعوة لحفظ الارواح والنظام العام.

لكن وعل الرغم من ذلك، فإن العقيدة السياسية للمغرب رافضة للانقلاب كما رفضها للانفصال، وفي ماي سنة 2022، وخلال أشغال القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي حول مكافحة الإرهاب والتغييرات غير الدستورية للحكومات في إفريقيا، التي عقدت أمس السبت في مالابو، بغينيا الاستوائية، أثار وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج مسألة “التغييرات غير الدستورية للحكومات”، وربط بين تطور منظومة الإرهاب والانفصال والجريمة والتغييرات غير الدستورية للحكومات، ومؤكدا على مبدأ ترابط الأزمات.

• عندما كان المغرب يتدخل عسكريا 

ردود أفعال المغرب حول االنقلابات الافريقية الأخيرة لم تحد عن التعبير على الانشغال، وتفاوتت فقط في الفارق الزمني بين لحظة وقوع الانقلاب ولحظة تفاعل المغرب معه، فيما عرف التاريخ خلال سنوات سابقة، انقلابات تدخل فيها المغرب عسكريا لإعادة الرئيس المنقلب عليه للسلطة.

أقدم هذه الأحداث التي تندرج في هذا الإطار بدأت في 8 مارس 1977، عندما اجتاح 2000 عنصر من الجبهة الوطنية لتحرير الكونغو، زايير سابقا،  منطقة سحابا غرب الزايير بمساعدة الحركة الوطنية لتحرير انغولا، وأصدر الرئيس  موبوتو سيسي سيكو نداء للدعم و الاسنتجاد من الخارج في 2 أبريل،  و انتهت الحرب في 10 من نفس الشهر عندما تم إنزال 1500 جندي مغربي من قوات المظليين، وآخرها سنة 2003، عندما تدخل لإجهاض محاولة للانقلاب في موريتانيا.