عولمة البطولات المحلية!
قرار آخر يتم طبخه بهدوء في أروقة الفيفا، سيساهم في تغيير الشكل المألوف لمنافسات كرة القدم من حيث مكان تنظيم مباريات الدوريات المحلية، حيث يتجه الاتحاد الدولي على هامش انعقاد جمعيته العمومية ببانكوك عاصمة التايلاند، إلى تغيير القوانين التي تمنع إقامة مباريات الدوري المحلي خارج بلد المسابقة.
ولطالما تدخلت الفيفا تحت مبرر احترام قوانينها وقامت بمنع إقامة مباريات الدوري خارج البلاد التي تنتمي إليها الأندية، ففي أكتوبر 2018 اتفقت رابطة الدوري الإسباني “لا ليغا” مع شركة “ريليفنت” الأميركية للترويج الرياضي، وذلك من أجل لعب مباراة رسمية في مسابقة الدوري بين برشلونة وجيرونا في ميامي الأميركية، وتدخل حينها الاتحاد الدولي مؤكدا سياسته التي تمنع تنظيم المباريات الرسمية للأندية في إطار المسابقات المحلية إلى الخارج، وتجعل مباريات الدوري حصريا في الحدود الجغرافية للبلد المعني بتلك المسابقة.
وانسحب برشلونة آنذاك من الاتفاقية وقررت شركة “ريليفنت” البدء بإجراءات قضائية ضد الاتحاد الأميركي في سبتمبر 2019، بعد قراره رفض لعب المباراة بداعي الانصياع لتعليمات الفيفا، وبعد ذلك بعام تم إضافة الإتحاد الدولي لكرة القدم كمدعى عليه في هذه القضية.
غاب الأمر عن الأضواء حتى أعادت محكمة الاستئناف الفيدرالية في مانهاتن بمدينة نيويورك فتح القضية في 2021 ثم القضاء الأميركي استمر في النظر في القضية حتى جاء الإعلان في التاسع من شهر أبريل الماضي بتوصل الفيفا إلى تسوية مع شركة “ريليفنت” للرياضة، والتي جاءت لتفادي إدانة الفيفا بممارسة الاحتكار كسبب مباشر لمنعه الأندية والبطولات المحلية الأجنبية بشكل غير قانوني من إقامة مباريات رسمية في الولايات المتحدة.
ظاهريا يبدو إلغاء هذا القانون محاولة من الفيفا للإنصياع للتشريعات الدولية الأساسية التي تمنع الإحتكار عموما والذي سقطت فيه إمبراطورية إنفانتينو غير ما مرة، وقضية السوبر الأوربي ليست ببعيدة عن قضية اليوم التي يتم تدارسها في أروقة جمعيتها العمومية.. لكن الوجه الخفي لهذا التحرك ربما يمكن أن نجده في العوائد المالية المتوقعة لفائدة الفيفا التي رأت “همزة” ما للشركات الموقعة معها على عقود الرعاية والإشهار إذا ما تم تنظيم مباريات رسمية للأندية الشهيرة خارج بلدانها، فالجهاز المسيطر على كرة القدم العالمية كما يعرف الجميع لا يتخذ أي قرار إلا وحمل في طياته عائدا ماليا ما أو تكريسا لنفوذه في مختلف البلدان والقارات.
السماح بتنظيم مباريات البطولات الأوربية خارج بلدانها، ستسيل أيضا لعاب الشركات العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية وشرق آسيا حيث التنين الصيني واليابان وكوريا، مستعدون لاستضافة المباريات التي تحضى بمتابعة ملايين المشاهدين عبر العالم.. وهو ما يعني “سياقة” المتفرج المغلوب على “بليته” إلى مشاهدة مباريات فريقه المفضل تعود عليها في المساء أو الليل إلى توقيت جديد في منتصف النهار أو قبل الفجر بقليل.
نحن أمام إجراءات جديدة تشبه تداعيات “قانون بوسمان” الذي غير الكثير من ملامح كرة القدم في أوربا.. يمكن أن نسمي المحاولة الجديدة ب”عولمة البطولات المحلية”، وأكيد أننا سنرى بعد إلغاء القانون تغييرات كبيرة قد تمس حتى الإرث الكروي القديم للبطولات والمسابقات المحلية.