غوارديولا ومال السيتي
في الندوة الصحفية التي سبقت مباراة مانشستر سيتي وتوتنهام، سألوا بيب غوارديولا عن دور المال في تألق فريقه وفوزه بالألقاب، فأجاب بنبرته المعهودة التي يشوبها بعض الغضب والحماس : “منذ سنوات قال الناس إن الأمر سهل بالنسبة لمانشستر سيتي (في الفوز بلقب البريميرليغ) بسبب المال، والآن قالوا إن الأمر أصبح مملاً (بسبب هيمنة النادي). إنه ليس كذلك، إنه أمر صعب للغاية، لو كان المال فقط سبب النجاح، كان ينبغي لمانشستر يونايتد أن يفوز بجميع الألقاب، ثمّ تشيلسي وأرسنال”.
وأضاف: “لقد أنفقوا الكثير من المال في السنوات الخمس الماضية أكثر منا، ينبغي أن يكونوا على منصات التتويج، ولهذا السبب، لا ينبغي أن يكون جيرونا في دوري أبطال أوروبا، ولا ينبغي لليستر سيتي أن يفوز بالدوري الإنجليزي الممتاز منذ سنوات، الآن أصبح الأمر مملاً؟ إنه ليس مملاً، من الصعب جداً أن نكرر الفوز بلقب البريميرليغ”.
الحديث عن المال في مانشستر سيتي والمقصود به توفر بيب غوارديولا على صلاحيات واسعة لإستقطاب ترسانة كبيرة من النجوم التي يراها قادرة على تطبيق أفكاره الثورية في خطط كرة القدم، يحيل بالضرورة إلى نقاش قديم حول بيب غوارديولا منذ أن كان يشرف على تدريب ناديه الأم البارصا ويبصم معه على فترة زاهية بالألقاب والإنجازات واللعب الجميل.. كان نقاشا يدور حول السؤال المثير للجدل: هل البارصا بجيل لاماسيا الذهبي لميسي وإنييستا وتشافي وبوسكيتس وبيكي وبويول، هي التي صنعت غوارديولا؟ أم أن غوارديولا باجتهاده وطموحه وبحثه الدائم عن تطوير طرق التدريب، هو من صنع البارصا بكل ذلك الإبهار الذي أمتعت به العالم.
الحقيقة التي توصل إليها أغلب الخائضين في الموضوع آنذاك، هو أنهما (البارصا وغوارديولا) صنعا بعضهما البعض، وأحدهما وجد ضالته في الآخر، وبقي الرأي الذي ينسب كل تألق النادي الكطالوني لمدربه بعيدا عن الموضوعية، لأنه بدا من الإجحاف في حق جيل ذهبي لم تعرف كرة القدم العالمية شبيها له، القول بعدم فضله الكبير في نجاح غوارديولا في تنزيل فلسفة “التيكي تاكا” وتطبيق أفكاره “الثورية”.. ويكفي التوفر على لاعب خارق مثل ليونيل ميسي بحلوله الفردية المذهلة التي تلغي أي خطة أو تكتيك، وقدرته على حمل فريق بكامله رفقة مدربه أيضا نحو تحقيق الإنتصارات.
نعم غوارديولا على حق، فالمال واللاعبون النجوم غير كافيين لوحدهم للفوز بالألقاب والبطولات، ولابد من مدرب كفء ومجتهد خلف خط التماس لوضع الخطط وإعداد البدائل وتجهيز كيفية التغلب على الخصوم، لكن أيضا، وجود مدرب مهما بلغ دهاؤه و”فلسفته” وأفكاره الثورية، بدون لاعبين قادرين على فهمه وتطبيق أفكاره بنجاح على أرضية الميدان فلن يساوي شيئا ولن يحقق أي شيء، وقد تتم إقالته بعد مباريات قليلة على تعاقده مع النادي.
يمكن القول ببساطة إن غوارديولا مدرب مجتهد وشجاع وأحدث تغييرا عميقا في الكثير من النظريات التدريبية وساعده ذلك في الوصول إلى ما وصل إليه من النجومية والمجد، أما نعوت “الفيلسوف” و” العبقري” و”ملهم كرة القدم” فهي فقط للإستهلاك الإعلامي ليس إلا، لأن كرة القدم علم غير صحيح ولا تخضع للمنطق ، ويمكن لتفاصيل هامشية وصغيرة في المباريات أن تقلب النتيجة وتضرب كل العمل التقني الشاق للمدرب وطاقمه في “الزيرو”.
عبر تاريخ كرة القدم العالمية مر مدربون جيدون وكانت لهم أفكار تكتيكية أكثر ثورية من خطط غوارديولا، لكنهم فشلوا في صناعة إسم كبير في عالم التدريب، لأن الحظ خذلهم في مصادفة لاعبين خارقين يطبقون نظرياتهم مثلما صادف الكطلاني في بداياته مع البارصا، أو التوقيع مع ناد ثري يمنحهم الصلاحيات الكاملة والسيولة المالية الفلكية لاستقطاب النجوم الذين يساعدونهم على النجاح وإحراز الألقاب والبطولات مثلما يحدث في مانشستر سيتي.