درس لويس إنريكي !
الإنتصار المبهر الذي حققه نادي باري سان جيرمان الفرنسي في قلب قلعة الأنفيلد بمدينة ليفربول الإنجليزية أمس الثلاثاء، وإقصائه لواحد من أقوى المرشحين للظفر بلقب كأس رابطة الأبطال الأوربية، ليس فقط إنجازا عاديا يمكن أن يحدث في العديد من مباريات كرة القدم، بل يحمل درسا بليغا تسقط من خلاله تلك النظرية المتقادمة التي تقول إن النجوم يصنعون الألقاب.
النادي الباريسي الذي كان قد اشترته قبل 14 سنة مؤسسة قطر للإسثمارات، ووضعت على رأسه رجل الأعمال ناصر الخليفي، وتم ضخ أموالا طائلة في خزينته، وصرف ملايير الأوروات من أجل التعاقد مع أبرز نجوم كرة القدم في العالم، وجلب مشاهير المدربين الذين يحتلون رأس السوق فيما يتعلق بالرواتب.. كان الهدف المُلح هو التوفر على فريق قوي يرعب الأندية التقليدية الكبيرة في أوربا ويفوز بلقب كأس رابطة الأبطال الأوربية التي تعتبر أرقى منافسة كروية خاصة بالأندية في العالم، لكن هذه الإستراتيجية لم تُمكّن “البي إس جي” طيلة هذه السنوات من تكرار إنجاز أولمبيك مارسيليا كفائز فرنسي وحيد في تاريخ الكأس “ذات الأذنين”.
جاء إلى باريس “كوكتيل” من نجوم كرة القدم العالميين يتقدمهم الأسطورة ليونيل ميسي، وجاء أيضا البرازيلي نيمار، وكيليان مبابي، وسيرخيو راموس، وأنخيل دي ماريا، والإيطالي فيراتي، وزلاتان إبراهيموفيتش، وكافاني، واللائحة طويلة وعريضة.. والتحق أيضا لقيادة هذا المعرض من الأسماء الشهيرة للاعبين، مدربون لا ينقصون عنهم شهرة وقيمة، حيث تعاقد باري سان جيرمان خلال السنوات الأخيرة مع أسماء ليس بإمكان “من والا” ان يضمهم.. جاء كارلو أنشيلوتي، ولوران بلان، وطوماس توخيل، وأوناي إيمري، وبوتشيتينو، بكل الرصيد التقني والتجربة الطويلة التي يملكون.
لكن الذي حدث أن هؤلاء جميعا فشلوا في تكوين فريق مرعب يعكس قيمة الأسماء الرنانة التي يتوفر عليها النادي، واكتفوا بالألقاب المحلية في فرنسا ضد منافسين تفصلهم عنهم سنوات ضوئية في الإمكانيات المالية والبشرية، فيما عجزوا عن الظفر باللقب الذي لازال يحلم به ناصر الخليفي إلى اليوم وهو الفوز بلقب رابطة الأبطال الأوربية، بل والأدهى من ذلك، سنوات وباري سان جيرمان يظهر في كثير من المباريات فريقا مفككا، ينقصه الإنسجام وروح المجموعة، ويبدو فيه المدربون ضعيفين أمام النجوم التي تلعب تحت إمرتهم، ولا يملكون أي سلطة لفرض خططهم وتعليماتهم على تشكيلة اللاعبين “المفششين” فوق الميدان، الذين كانوا يلعبون وفق هواهم، ووفق ما يناسبهم من مجهود بدني، وكان هذا سببا في هزائم كثيرة أمام أندية مغمورة بلاعبين عاديين.
التحول الذي وقع في باري سان جيرمان، حدث بعد مجيء المدرب الإسباني لويس إنريكي المعروف بصرامته وقوة شخصيته، ورغبته الدائمة في السيطرة على مستودع الملابس التي يفرض بها مشروعه وتصوراته التقنية وخططه أثناء المباريات، فبدأ بغربلة التشكيلة من النجوم التي تلعب لنفسها ولا تقدم شيئا للفريق، وأبعد كل من لا ينصاع لتعليماته وخططه التكتيكية (تسريب طريقة حديثه المنفرد الصارم مع كيليان مبابي)، واحتفظ بلاعبين عاديين لا ينتمون إلى نجوم الصف الأول، واشتغل معهم على طريقة لعب فعالة فيها الكثير من ملامح الكرة الشاملة التي يساهم فيها الجميع في الدفاع كما الهجوم، وظهرت ثمار تركيزه على الإنسجام وروح المجموعة، ومقاومة اللحظات الضاغطة في المباريات الحارقة، وهكذا أصبح الفريق الباريسي يتوفر على طريقة لعب معروفة، وصار مستواه يتطور من مباراة لأخرى حتى أصبح يُضرَب له ألف حساب من طرف الجميع.
صحيح أن حلم ناصر الخليفي بالفوز بالكأس الثمينة، لم يتحقق بعد، وأن الطريق إليه هذا الموسم لازال طويلا وشاقا، ولكن الخلاصة الأكيدة من خلال مباريات باري سان جيرمان الأخيرة، هو أن فريق لويس إنريكي، هو أفضل نسخة للبي إس جي منذ مجيء الأموال القطرية قبل 14 سنة، وأنه أصبح أكبر المرشحين للفوز باللقب بالنظر لقوته وصلابته وانسجام لاعبيه.
لويس إنريكي يقدم درسا كرويا مجانيا للجميع، مفاده أن المال والنجوم لا يصنعون فريقا قويا، بل تصنعه الجدية وروح المجموعة والتداريب و”الرأس الصغير” للاعبين.