ما الذي يعجب المدربين في النصيري ؟!
يوسف النصيري قد يكون الكثير من الجمهور الرياضي المغربي لا يروقهم في مركز قلب هجوم الفريق الوطني، وقد يقول آخرون أنه “زرݣ” بالتعبير الكروي، أي ذلك اللاعب الذي يفتقد للمهارة بقدميه، وقد يتهم البعض إبن مدينة فاس بأنه “زݣال” كبير لفرص التهديف السهلة، وقد يستغرب البعض الآخر كيف أن النصيري وصل إلى ما وصل إليه في عالم كرة القدم، وأن جل المدربين المعروفين الذين دربوه كانوا يثقون فيه ويضعونه في التشكيلة الأساسية.
لكن كل ما سلف لا يمنع من خلاصة أكيدة في حق يوسف النصيري، وهو أنه واحد من أكبر اللاعبين المغاربة على مر التاريخ توفرا على قوة ذهنية لتحمل الإنتقاد والسخرية، وعلى عزيمة تجاوز مراحل الفراغ والتراجع، وأكثرهم قدرة على العودة إلى التألق بعد فترة يجزم فيها الجميع أنه انتهى نهائيا ولم يعد له ما يقدمه على الملاعب.
فعلها أول مرة عندما التحق بنادي ليغانيس قادما من نادي مالقا، حيث رفضه الجمهور واعتبروه صفقة خاسرة، لكن يوسف مع توالي ثقة المدرب فيه، أثبت للجميع أنه ورقة رابحة في فريقه، بتسجيله الكثير من الأهداف الحاسمة، ومساهمته في العديد من الإنتصارات، لينتهي به المطاف إلى تلقي عرض من نادي إشبيلية بقيمة 20 مليون أورو.
ثم جاءت مرحلة فراغ وهو مع نادي إشبيلية، صام فيها عن التهديف مدة طويلة تلقى فيها ما يتلقاه “الطبل نهار العيد” من صيحات الإستهجان من طرف الجمهور، وعبارات التنقيص من قيمته، والسخرية من طريقة جريه، وجلس في كراسي الإحتياط حتى اعتقدنا أن “السيڤيا” ستتخلص منه بإعارته أو بيعه، لكن النصيري استغل دقائق معدودة كان يشركه فيها المدرب لوبيتيغي، ليخرس كل الأفواه بتسجيله لأهداف تساوي النقاط الثلاث لفريقه، وتساوي أيضا استعادة مكانته كهداف مجتهد من طينة ناذرة.
وأخيرا عندما انتقل إلى نادي فيرنبخشة التركي بتوصية من الداهية جوزي مورينيو، وخاصمته الشباك في المباريات الأولى، ساد شبه إجماع أن النصيري بانتقاله إلى تركيا، ارتكب خطأ العمر الذي سيكلفه إنهاء مسيرته الكروية بشكل مبكر، لكن وكما طائر العنقاء الذي ينبعث من رماده في الأسطورة، عاد ليسترجع عادته في هز الشباك مباراة بعد الأخرى وفي أوقات حاسمة، حتى احتل الصف الثاني في لائحة هدافي الدوري التركي بعد النيجيري أوسيمين لاعب غلطة سراي.
من جانب آخر، وإذا عدنا إلى بدايات يوسف النصيري الذي تكون في أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، بفضل وجود عين تقنية رفيعة لرجل ناذر الذي هو ناصر لارغيت، الذي التقطه من فئات المغرب الفاسي، رغم أن مؤطريه هناك كانوا يعتبرونه طفلا بلا موهبة ولن يذهب بعيدا في ممارسة كرة القدم، لكن نجاحه الحالي يعطي نموذج العمل الذي يجب أن تقوم به الأندية الوطنية ل “صناعة ” لاعبين عالميين من لا شيء.. بمعنى ليس بالضرورة ان ننتظر حتى يظهر طفل صغير موهوب لكي نلحقه بالفئات الصغرى للنادي، ثم نبدأ في دفعه من فئة إلى أخرى دون أن نلقنه شيئا من خصائص كرة القدم الحديثة التي تستغني تدريجيا عن التقنيات والمهارات، لصالح القوة الذهنية والتركيز والإستيعاب التكتيكي واللياقة البدنية.
النصيري رغم أنه عديم المهارة وحتى بنيته الجسمانية تبدو أقرب إلى عدائي ألعاب القوى، إلا أن التكوين الجيد الذي تلقاه، أكسبه فعالية هائلة داخل الملعب وجوع دائم للتهديف، وحقنه بكثير من الذكاء التكتيكي ما يجعله سباقا للكرات دائما في المساحات المناسبة، زائد أن طريقة تحركاته تسمح له بارتقاء جيد خلال النزالات الهوائية بالرأس، هذا بالإضافة إلى منسوب لياقة بدنية عالية لممارسة الدفاع المتقدم على الخصم داخل منطقته.
التأمل في المسار الكروي لإبن الماص، ومراحل الصعود والنزول التي مر بها داخل كل الأندية وأيضا داخل الفريق الوطني، يجب أن ينهي لدينا أي سؤال طالما رددناه كثيرا، وهو.. ما الذي يعجب المدربين في يوسف النصيري؟!.