في انتظار استلام جثمانه.. عملية قاضي في تل أبيب بين الإشادة والإدانة
مرّ أسبوع على مقتل المواطن المغربي عبد العزيز قاضي على يد الشرطة الإسرائيلية عقب تنفيذه عملية طعن في تل أبيب، وما تزال عائلته ونشطاء يترقبون تسليم جثمانه إلى السلطات المغربية.
وفي الأثناء، تشهد الساحة المغربية تبايناً في ردود الفعل حول العملية؛ بين من يعتبرها رداً طبيعياً على جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، وتجسيداً لرفض الشعب المغربي لتلك الانتهاكات، وبين من يصفها بـ”الجريمة الإرهابية” التي تستهدف مدنيين وتتنافى مع القيم الإنسانية.
بين الإشادة والإدانة
في هذا الصدد، أدانت جمعية ترفع شعار “الصداقة المغربية الإسرائيلية للثقافة والتراث”، العملية واصفة إياها بـ”العمل الإرهابي”، وقالت إنه “استهدف مدنيين أبرياء في تل أبيب”، معربة عن مواساتها لعائلات المصابين في العملية.
وشددت على “أهمية العمل المشترك لتعزيز السلام والأمن في المنطقة”.
وخلف بيان الجمعية المذكورة استياء بين مواطنين، وهيئات مدنية بينها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع -التي تضم أكثر من 15 تنظيم سياسي وحقوقي ونقابي- إذ أعربت عن إدانتها لما سمّتها “الأصوات النشاز المطبعة”، مستنكرة ما ورد في البيان، وقالت إن هذه الجمعية “تنفت سموم الذل والعار وتروج أسطوانة التطبيع المشروخة والممقوثة شعبياً حول ‘التعايش’ مع الصهاينة، متباكية بعد إصابة 4 محتلين”.
وأضافت أن بيان الجمعية يأتي اليوم “بينما ابتلعت كما ابتلع كل المطبعين ألسنتهم أمام حرب الإبادة الصهيونية البشعة التي خلفت حوالي 50 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح وما يزيد عن 14 ألف مفقود، فضلاً عن التدمير الكامل لقطاع غزة”.
كما أبدت الجبهة الاعتزاز بالعمل الفدائي لعبد العزيز قاضي واصفة إياه بـ”البطل المغربي الشهيد”، مشيدة بـ”عمله النبيل الذي دافع من خلاله عن فلسطين وشعبها، مجسداً بذلك وحدة المصير والنضال بين الشعبين الفلسطيني والمغربي ضد الحركة الصهيونية، ودولتها الاستعمارية والعنصرية”.
دوافع نبيلة بالوقت الخطأ
أمام الإشادة الواسعة بعملية عبد العزيز قاضي داخل وخارج المغرب، وسعي آخرين لإدانتها، يرى الناشط خالد البكاري أنه في حال ثبوت تنفيذ عبد العزيز قاضي عملية فدائية في تل أبيب، في ظل الشكوك التي تدور حولها، فإن ما حصل يوم الثلاثاء 21 يناير 2025، يُعد عملية طعن “قام بها مغربي مدفوعاً بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، ومتأثراً بما يحدث في غزة، وبالانتهاكات الإسرائيلية في جنين أثناء تلك الفترة”.
وأوضح البكاري، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أنه في هذه الحالة قد تكون دوافع عبد العزيز “سياسية ونبيلة”، لكنه عدّ نتيجة العملية “مضادة لهذه الدوافع”، مشيراً إلى أنه “عمل لا يخدم القضية الفلسطينية بل من شأنها أن يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى، لأنها تروج لنفسها في الإعلام الدولي وأمام الرأي العام العالمي على أنها دولة صغيرة محاطة بالأعداء، وبمجموعة من الشعوب التي تكرهها، والتي يحركها العداء للسامية”.
ويعتبر البكاري أنه في الوقت الذي نجح فيه الفلسطينيون في كسر صورة “اليهودي المضطهَد”، إذ أصبح “اليهودي هو المضطهِد الآن” بالنسبة إلى الرأي العام الدولي، وأسهموا في كسر حاجز العداء للسامية، تأتي هذه العملية، التي يقول إنها في رأيه “لا معنى لها ولا فائدة منها، بغض النظر عن الأهداف أو النيات التي حركت ذلك الشاب، والتي يمكن أن تكون نية نبيلة”.
وأضاف البكاري أن هناك تصوراً لدى مؤيدي المقاومة، باعتبار أن جميع المواطنين الإسرائيليين جنود بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية، مشيراً إلى أن هذا المنطق “قد يكون مقنعاً لدى العرب والمسلمين، لكنه مرفوض لدى الرأي العام العالمي الذي يميز بين المدنيين والعسكريين”.
وتابع: “العالم سيتعامل مع هذا الفعل كعمل إرهابي يستهدف المدنيين، ما يعزز الرواية الإسرائيلية ويضر بالموقف الفلسطيني”، لافتاً إلى أنه “في بعض الأحيان قد تكون الدوافع نبيلة، وقد يكون حتى ذلك العمل مشروعاً إذا اعتبرنا المستهدفين جنود احتياط، لكنها وسيلة خاطئة في السياق وفي التوقيت الذي نُفِّذت فيه”.
وحول تأثير هذه الحادثة على المغرب، اعتبر البكاري أن الحادث وضع المغرب في موقف حرج، إذ التزمت الخارجية المغربية الصمت، مشيراً إلى إمكانية وجود اتفاق بين المغرب وإسرائيل لعدم إحراج أحدهما الآخر.
شكوك
هذا في حال إن صحّت الرواية الإسرائيلية، لكن الأكاديمي والناشط الحقوقي خالد البكاري عبّر عن شكوكه بشأن دوافع الحادث، متسائلاً إن كانت العملية فعلاً فدائية وأن دوافعها سياسية أم شخصية مرتبطة بشجار، مرجحاً احتمال تصفية الشخص لترويج رواية تخدم صورة إسرائيل في هذه المرحلة.
وأوضح البكاري أن إسرائيل معروفة باستخدامها تقنيات وأسلحة متطورة لتقييد حركة الأشخاص الخطرين، وهي تصدرها إلى العالم، خاصة للأنظمة القمعية. وأضاف: “في مثل هذه العمليات، كان من الممكن تقييد حركة الشاب بسهولة بدلاً من قتله، خصوصاً أن الرواية الإسرائيلية تشير إلى إصابات طفيفة، مما يعني أنه لم يكن شخصاً خطيراً أو محترفاً”.
وشدد على أن الإصرار على قتله “يعكس رغبة في إخفاء الحقيقة وترويج سردية معينة”.
وأشار البكاري إلى وجود رواية واحدة قدمتها إسرائيل للإعلام دون وجود أي رواية مضادة من الطرف الآخر، وهو ما يثير علامات استفهام إضافية، معبراً عن استغرابه من السرعة التي تم بها التعرف على هوية عبد العزيز وحذف حساباته في العالم الافتراضي، مما يدل على “رغبة واضحة في محو كل الآثار المرتبطة به”، وفق تعبيره.
وتطرق البكاري إلى تفاصيل الرواية الإسرائيلية، حيث ذكر أن عبد العزيز قاضي ترك أوراقه الثبوتية في موقع الحادثة. لكنه وصف هذه الجزئية بأنها “غير منطقية”، وإن صحت فهي “تعكس اضطرابات نفسية قد يكون يعاني منها الشخص”.
ويؤكد البكاري على أنه، على الرغم من كونه من أنصار المقاومة، يرى أن “بعض الممارسات قد تسيء للقضية الفلسطينية، خاصة مع السعي لترميز الأبطال أحياناً، وكأنه لا توجد مجازر ومظلومية واحتلال، وليس هناك تمدد إسرائيلي في جنوب لبنان وسوريا”.
وكان عبد العزيز قاضي قد نفذ عملية طعن، الثلاثاء الماضي، في موقعين مختلفين بمدينة تل أبيب أسفرت عن إصابة 4 إسرائيليين بينهم جندي كان قد أصيب في معارك غزة، وذلك بعد يومين من خطاب الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة الذي قال فيه إن المقاومة تلقت إسناداً من طنجة إلى جاكرتا.
ونعت حركة المقاومة الإسلامية-حماس “الشهيد المغربي البطل”، مباركة عملية الطعن، وأكدت أنها “تثبت أن مد المقاومة مستمر ومتصاعد ما دام الاحتلال وجرائمه”، لافتة إلى أنها “رد طبيعي بعد ساعات من ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى خلال عدوان الاحتلال على جنين”.
كما باركت حركة الجهاد الإسلامي العملية ووصفتها بـ”البطولية”، مشيرة إلى أنها “تأكيد على تضامن الشعوب العربية والمسلمة مع قضيتهم المركزية في فلسطين”.