مانديلا الذي وظف الرياضة للحد من الفصل العنصري بجنوب أفريقيا
“الرياضة لها سلطة تغيير العالم، سلطة الوحي وسلطة توحيد الناس. الرياضة تخلق الأمل في مكان لا يوجد فيه إلا اليأس، إنها أقوى من الحكومات في إسقاط الحواجز العنصرية”. بهذه الكلمات عبر الراحل نيلسون مانديلا رئيس جنوب إفريقيا السابق، عن حبه للرياضة، التي كانت بالنسبة له وسيلة للحد من العنصرية التي كانت تعصف بالبلاد.
ولقد ارتبطت الرياضة في جنوب إفريقيا طويلا، بالزعيم نيلسون مانديلا، الذي سعى إلى إنهاء الفصل والتمييز العنصري، الذي دام لعقود في البلاد منذ سنة 1948، وتدشين فترة جديدة خالية من الفوارق المجتمعية بين البيض والسود.
ولطالما كان الحديث، في الاوساط الرياضية على مستوى العالم، عن ضرورة الفصل بين الرياضة والسياسة، لكن نيلسون مانديلا ذهب عكس ذلك، وسعى إلى تحقيق تغيير وانتصار سياسي من بوابة الرياضة، بعد إطلاق سراحه في الثاني من فبراير سنة 1990، لينتخب رئيسا لجنوب أفريقيا بعدها بأربع سنوات، وتحديدا أبريل 1994، منهيا بذلك نظام الفصل العنصري الذي قامت عليه البلاد لسنوات طويلة.
وكانت رياضة الركبي، هي الرياضة الأولى والأكثر شعبية في البلاد، إلا أنها كانت حكرا على الإنسان الأبيض آنذاك، في حين مارس كرة القدم الإنسان الأسود.
ولم يكن الأمر على هذا النحو فقط، بل بلغ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حد التفرقة بين جماهير المباريات حتى في المدرجات.
وكان منتخب الرغبي لجنوب أفريقيا، قبيل مجيء مانديلا يعاني من ضعف المستوى، وتذبذب النتائج، التي كان يغذيها فيروس العنصرية الذي كان يسري في عروق الإنسان الأبيض بجنوب أفريقيا، وأثر ذلك على مستوى الرياضية بالبلاد.
وكانت أغلب العناصر التي يتشكل منها منتخب البافانا بافانا لرياضة الرغبي، ذات بشرة بيضاء، مقابل أقلية من السود، بحيث أنه من ضمن31 لاعبا، 23 منهم ذوي بشرة بيضاء، في حين 8 لاعبين فقط من ذوي البشرة السوداء.
ومع تولي مانديلا الحكم، أصبح يتابع شخصيا مستوى منتخب بلاده قبل كأس العالم للرغبي سنة 1995، التي أقيمت في جنوب أفريقيا، انطلاقا من كون الرياضة طريقا للحرية بالنسبة له. على الرغم من كون أفراد المنتخب أصحاب البشرة البيضاء، كانوا لا يطيقون الرئيس الجديد للبلاد ذو البشرة السوداء نيلسون مانديلا.
ومع بداية المسابقة، تغير حال المنتخب، وصار يتطور مباراة بعد مباراة، وصولا إلى المباراة النهائية، التي وصل فيها إلى أقصى قدراته، ليهزم منتخب نيوزلندا بنتيجة 15 مقابل 12، في المباراة النهائية ويتوج باللقب.
واستغل مانديلا فوز منتخب بلاده في البطولة، لبعث رسالة قوية تحث على إنهاء العنصرية والتمييز في البلاد، ووضع نهاية لسطوة الإنسان الأبيض على رياضة الرغبي، بعدما قدم شخصيا كأس البطولة التي فازت بها آنذاك جنوب أفريقيا، إلى قائد المنتخب فرانسوا بينار، ليصبح الإنسان الأسود فاعلا رئيسيا في اللعبة بجنوب أفريقيا.
واصل الزعيم الجنوب إفريقي، “استغلاله” للرياضة من أجل توحيد شعبه، بحيث تمكنت جنوب إفريقيا، في السنة الموالية، من تنظيم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سنة 1996، ليجد نفسه أمام فرصة أخرى لبعث رسائل السلام والتآخي بين سكان بلاده.
واستغل تتويج “البافانا بافانا” باللقب على حساب منتخب تونس، الذي فاز عليه ب2- 0، حيث فاجأ ما نديلا الجميع بارتدائه قميص قائد منتخب البافانا بافانا آنذاك نيل توفي ذو البشرة البيضاء، وقدم له الكأس الذي كان حدثاً مهماً في البلاد.
وظهرت براعة مانديلا وحسن تسييره، جليا بشكل أكبر خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم سنة 2010 التي احتضنتها جنوب أفريقيا، بعدما كسر جليد الانقسامات بين سكان البلاد، ووحد بين الجماهير في المدرجات، وشهد ملعب البنك الوطني الأول في جوهانسبورغ تلاحما ووحدة وطنية، انصهر فيها سكان جنوب إفريقيا تحت راية وغاية واحدة.
وقال مانديلا حينها “كرة القدم والركبي والكريكيت وغيرها من الرياضات لديها القدرة على تضميد الجراح”.
ولم ينتهج نيلسون مانديلا، ما هو سياسي أو ديبلوماسي فقط للحد من العنصرية والطبقية في جنوب إفريقيا، إنما استغل الرياضة كشكل من أشكال المقاومة والنضال، بين أبناء الشعب الواحد. حيث تمكن من جعل الإنسان الأسود يحب الرغبي رياضة الإنسان الأبيض. وجعل الإنسان الأبيض متيما بكرة القدم التي تعد الرياضة المفضلة للإنسان الأسود.