الاحتجاجات بدل الاحتفالات في الذكرى الثالثة للتطبيع مع إسرائيل
تحل اليوم الذكرى الثالثة لتوقيع المغرب للاتفاق الثلاثي الذي أعاد بموجبه علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، ولكن في سياق خاص، غابت عنه الاحتفالات لأول مرة، وحلت محلها الاحتجاجات والأصوات الصادحة بمطلب “إسقاط التطبيع” وسط العاصمة الرباط، وعدد من المدن المغربية.
ذكرى بدون احتفال
منذ توقيع الاتفاق الثلاثي بين كل من المغرب وأمريكا وإسرائيل، والذي أعاد المغرب بموجبه علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، دأبت الأطراف الثلاثة على إحياء ذكراه كل سنة.
ففي عام 2021، جرى تنظيم حفل لإحياء الذكرى السنوية الأولى للاتفاق الثلاثي على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث، بلقاء عن بعد بسبب ظروف الجائحة، شارك فيه كل من وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ونظيره الإسرائيلي يائير لابيد، والأمريكي أنطوني بلينكن، كما نظم احتفال آخر في نيويورك جمع ممثلي الدول الثلاثة في الأمم المتحدة بالتزامن مع احتفال ثالث في الرباط.
وفي الذكرى الثانية للاتفاق الثلاثي، نظم مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط احتفالا أكبر بالمناسبة، حضره وزراء مغاربة ومسؤولون أمريكيون.
ومن بين المشاركين فيه، كان ألونا فيشر، القائمة بالأعمال بمكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب آنذاك، وأندري أزولاي مستشار الملك، وعواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.
وبذلك يكون العاشر من دجنبر من هذه السنة، والذي يوافق اليوم الأحد، والذكرى الثالثة لتوقيع الاتفاق الثلاثي، الذكرى الأولى التي تغيب عنها الأجواء الاحتفالية، وتحل محلها أصوات المطالبة بإسقاط التطبيع، بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة.
الطوفان يلجم التطبيع
تسارعت خطى تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية مؤخرا، حيث شهد المغرب في النصف الأول من العام 2023 زيارات مختلفة لوزراء إسرائيليين ومسؤولين في القطاع الخاص ووفود سياحية قدمت للبلاد وسجلت ارتفاعا ملحوظا.
زيارات المسؤولين الإسرائيليين التي شملت 4 وزراء و3 مسؤولين عسكريين كبار ورئيس الكنيست، تخللها توقيع اتفاقيات تعاون في القطاعات “العسكرية والاقتصادية والصحية والزراعية والنقل والتعليم العالي والشأن البرلماني والسياسي”.
وكان من المتوقع أن يصبح رئيس مجلس المستشارين بالمغرب النعمة ميارة أول مسؤول عربي من هذا الحجم سيدخل الكنيست الإسرائيلي شهرا قبل “طوفان الأقصى” خلال جولة قادته للمنطقة، غير أنه أعلن تأجيل الزيارة في آخر لحظة.
ومنذ لحظة بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، شُلّت العلاقات السياسية بشكل كبير، وبقيت العلاقة مقتصرة على الجانب الاقتصادي الذي لا زال يعرف نشاطا مستمرا.
مكتب اتصال بدون رئيس
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي تفاعل معها المغاربة بشكل تلقائي وسريع بالخروج إلى الشارع والتعبير عن رفضهم للعدوان، سحبت إسرائيل طاقم دبلوماسييها من مكتب الاتصال بالعاصمة الرباط.
وقالت صحف إسرائيلية إن الخارجية أجلت الطاقم الدبلوماسي من الرباط بفعل الاحتجاجات الشعبية وحالة الغضب التي يعيشها الشارع المغربي.
وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة أمام البرلمان قبل أيام، أن دافيد غوفرين رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب قد غادر البلاد فعلا، غير أن برلمانيين طالبوه بخطوات تغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بشكل كلي.
تطبيع على كف عفريت
وتوقع تقرير صادر عن المجلة الأكاديمية المتخصصة في السياسة الدولية “وورلد بوليتيكس ريفيو” أن استمرار الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر من شأنه إضعاف العلاقات المغربية الإسرائيلية، وقد يؤدي إلى تجميد التطبيع أو إلغائه.
وأكد نفس المصدر أنه “في السياق الحالي، ونظرا للأزمة الإنسانية الحالية في غزة، فإن التطبيع بين البلدين يبدو أنه سيتجمد وقد يصل الأمر إلى حد التراجع عنه ووقفه”.
وفي المقابل، يرى مصطفى غرين، رئيس مكتب الدراسات الاستراتيجية ”آسيا الشرق” أن المغرب انخرط في مسار تطبيع متعدد الأطراف وبالتزامات متعددة وبالتالي ”لا يمكن تصور إيقافه”.
وقال كرين في حديثه لـ”صوت المغرب” إن العلاقات المغربية الإسرائيلية أو المغربية الأمريكية قد تمر بلحظات فتور وتوتر، إلا أنها غير قابلة للمراجعة لارتباطها بالتزامات واستحقاقات وأطراف متعددة.
ويرى كرين أن الاتفاق بين المغرب وإسرائيل، لا زال يحمل مستجدات لم يتم الكشف عنها، مؤكدا أنه يرى في هذا التطبيع ”مسارا لا يمكن التراجع عنه”.
المطالب الداخلية تتزايد
ومنذ التوقيع على اتفاقية استعادة العلاقات، تعرضت المظاهرات المطالبة بإسقاط التطبيع للمنع، غير أنه مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، عادت المظاهرات المغربية المتضامنة مع فلسطين لقوتها السابقة، رافعة هذه المرة بشكل رئيسي مطلب رفض التطبيع.
وعلى مدى تسعة أسابيع من العدوان الإسرائيلي على غزة، عرفت المدن المغربية خروج مسيرات شعبية أسبوعية ووقفات تضامنية مع فلسطين، كما أطلقت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة مبادرة تحت شعار “جمعة الغضب” نظمت من خلالها وقفات احتجاجية أمام صلاة الجمعة في مساجد بمختلف المدن المغربية، يقدر عددها بمائة كل جمعة.
هذه المطالب الشعبية، وجدت طريقها إلى البرلمان، حيث رفعت عدد من الفرق مرارا هذا المطلب أمام رئيس الحكومة، وآخرها كان في جلسة مساءلته الشهرية، على لسان أكثر من برلماني.
وعلى المستوى السياسي دائما، انضم حزب التقدم والاشتراكية مؤخرا للمطالبين بوقف التطبيع مع إسرائيل، وهو مطلب سبقه إليه حزب العدالة والتنمية.