story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

خبراء: إبادة البيئة بقطاع غزة دمّرت مساحات عيش الأجيال القادمة

ص ص

تسببت الحرب الإجرامية التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 بأضرار جسيمة بالبنية البيئية لا تعالج، الأمر الذي وصفه خبراء بأنه “إبادة بيئية” Ecocide، باعتباره أدى إلى تدمير مساحات عيش الأجيال القادمة.

ولتقييم حجم الإبادة البيئية الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية على موارد المياه والأراضي الزراعية والمناطق السكنية في غزة، التقت الأناضول أميرة عكر، الخبيرة البيئية من جامعة بوسطن، والبروفيسور ليزلي لندن، من جامعة كيب تاون، والدكتورة أحلام أبو عوض من قسم علم الأوبئة في كلية جيزيل للطب بجامعة دارتموث.

الخبراء أكدوا أن المواطنين بقطاع غزة يعتمدون اقتصاديا بشكل كبير على الأنشطة الزراعية، وأن 70 بالمئة من تلك الأراضي قد دُمرت.

ولفتوا إلى أن استخدام الفوسفور الأبيض خلال الهجمات التي شنتها إسرائيل يجعل الأنشطة الزراعية المستقبلية مستحيلة في المنطقة.

وفي 19 يناير المنصرم بدأ في غزة سريان وقف إطلاق نار بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وإسرائيل، ويستمر في مرحلته الأولى 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.

وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بقطاع غزة خلّفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

أبعاد الدمار البيئي

أميرة عكر، أشارت إلى أن الدمار البيئي في غزة يتوافق مع تعريف “الإبادة البيئية”.

وقالت: “تُعرف الإبادة البيئية بأنها أفعال غير قانونية أو متعمدة يتم ارتكابها مع العلم بأنها قد تسبب أضرارا جسيمة أو واسعة النطاق أو طويلة الأمد للبيئة”.

وأضافت: “نرى حاليا في غزة تدميرا هائلاً لعناصر بيئية مختلفة، وهذا يختلف عن الأضرار البيئية المعتادة في النزاعات المسلحة”.

وذكرت أن البنية التحتية للمياه والآبار دُمرت في غزة والأشجار اقتُلعت، مضيفة: “بسبب استخدام الفوسفور الأبيض ستصبح أي أنشطة زراعية مستقبلية مستحيلة لأن طبقات التربة تضررت بسبب القنابل والفوسفور الأبيض”.

مخاطر تلوث الهواء وتغير المناخ

عكر أوضحت أن تدمير المباني لا يخلق فقط مشكلة النفايات بل يؤدي أيضا إلى تلوث الهواء، لأن “كل هذا الغبار والأوساخ الموجودة حاليًا في غزة لا تأتي فقط من مواد البناء، بل أيضًا من الأسلحة نفسها”.

وأشارت إلى أن الدمار الذي حدث في الأشهر الثلاثة الأولى تجاوز إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية لـ 26 دولة.

وقالت إنه “قبل الحديث عن الأسلحة، فإن الطلعات الجوية فوق غزة وحدها تسبب زيادة هائلة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.

حياة الأجيال القادمة في خطر

ولفتت إلى أن التوقعات قبل عام 2020 كانت تشير إلى أن غزة ستصبح غير صالحة للسكن بسبب الأضرار التي لحقت بطبقات المياه الجوفية.

وتابعت: “بدون وجود المياه، حدثت زيادة هائلة في حالات الإسهال والأمراض المعدية المختلفة، وهذا سيؤثر على الأطفال طوال حياتهم”.

وأشارت إلى أن 80 بالمئة من المنازل في القطاع دُمرت، وأن الأطفال والنساء الحوامل سيتعرضون الآن لمختلف الملوثات البيئية والجسيمات الدقيقة ومواد البناء مثل الأسبست والمواد الكيميائية الموجودة في الأسلحة.

وقالت عكر: “تقدر الأمم المتحدة أن إزالة الأنقاض سيستغرق 20 عاما، وأن هذا الأمر سيتطلب تكلفة بنحو 1.5 مليار دولار”، وشددت على أن إسرائيل هي التي تتحمل المسؤولية عن إصلاح الأضرار البيئية.

وأردفت قائلة: “إسرائيل، باعتبارها قوة محتلة، مسؤولة بموجب القانون الدولي عن الأشخاص في المناطق التي تحتلها ويتوجب عليها القيام بعملية التنظيف. والمجتمع الدولي أيضًا مسؤول لأنه لم يتمكن من منع هذا الأمر في البداية”.

الاحتياجات العاجلة لمعالجة الكارثة البيئية

بدوره أشار ليزلي لندن إلى أن الاحتياجات الأولية لمعالجة الدمار البيئي بغزة تتمثل في استعادة خدمات المياه والصرف الصحي، وأن تنظيف الأنقاض هو الأولوية.

وقال: “فكروا في الصعوبات التي واجهها العمال الذين نظفوا أنقاض برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، واضربوا ذلك في 100 بالنسبة لغزة. أكثر من 60 بالمئة من المباني دُمرت.. ويجب اعتبار معظم بقايا الأنقاض مواد سامة”.

وأضاف لندن: “تشغيل المضخات اللازمة لنظام الصرف الصحي وإصلاح محطات تحلية المياه التالفة يتطلب الوصول إلى الكهرباء. المياه الجوفية في غزة كانت بالفعل مالحة للغاية، والآن لا نعرف مدى تلوث طبقة المياه”.

وأعرب لندن عن قلقه بشأن تأثيرات النفايات الخطرة على صحة النساء والحوامل والأطفال الذين لم يولدوا بعد.

وتابع: “عدد القتلى نتيجة القصف والحصار قد يكون مجرد قمة جبل الجليد مقارنة بعدد الذين سيموتون بسبب الأمراض”.

يجب إنهاء الاحتلال والحصار أولاً

من جهتها أكدت الأكاديمية أحلام أبو عوض، أن إصلاح الدمار والتدهور البيئي في غزة سيستغرق عقودًا وسيؤثر على الأجيال القادمة.

وقالت: “رغم أن محكمة العدل الدولية أعلنت أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني وطالبت بإنهائه الفوري، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات بهذا الاتجاه”.

وأشارت إلى أن “هذا الوضع يعيق عملية الإصلاح وإعادة الإعمار في غزة، لذلك يجب أن تكون الخطوة الأولى هي إنهاء الهجمات والاحتلال والحصار غير القانوني”.

وشددت أبو عوض على أن الوصول إلى الأغذية والمياه النظيفة والدواء سيكون ذا أهمية حاسمة في الأشهر المقبلة من حيث الصحة العامة.

وأضافت: “أهل غزة أفضل من يعلم كيفية إصلاح أراضيهم وإعادة بنائها، ويجب تقييم الأضرار البيئية لفهم ما يجب القيام به، وتحديد أولويات البنية التحتية القابلة للإصلاح، ثم بناء بنية تحتية جديدة”.

وذكرت أن التخلص من النفايات الصلبة وإصلاح أنظمة الصرف الصحي وإعادة التدوير أمر بالغ الأهمية للحد من الأمراض المعدية ومنع المزيد من الأضرار البيئية.

وأضافت أبو عوض أن غزة بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والدعم من المجتمع الدولي.

وتابعت: “استعادة التربة من خلال استخدام السماد الطبيعي والمياه الأقل ملوحة، واستعادة الأراضي الزراعية، وإعادة زراعة الأنواع النباتية المحلية، واستعادة النظم البيئية للغابات والسواحل، كلها أمور بالغة الأهمية للتعافي البيئي على المدى الطويل”.

وختمت الأكاديمية أبو عوض بالقول: “باختصار، هناك الكثير مما يجب القيام به”.

*الأناضول