“يوم حزين”.. رحيل الأكاديمي بنعبدلاوي ومغاربة يعددون مناقبه
توفي الأكاديمي والأستاذ الجامعي المختار بنعبدلاوي اليوم، الخميس 29 غشت 2024، عن عمر ناهز 64 سنة بعد صراع مع المرض.
وشغل الراحل قيد حياته أستاذاً للفلسفة في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، إضافة إلى منصب المدير المؤسس لمركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية، ومنسق المنتدى المغاربي فيها، كما كان يشتغل كذلك مدير نشر مجلة رهانات.
وخلف رحيل بنعبدلاوي الذي اشتغل أيضاً لسنوات طويلاً أستاذاً للفلسفة والفكر السياسي بالدار البيضاء، إلى جانب عمله كأستاذ زائر في العديد من المعاهد والمدارس العليا، حزناً بليغاً في الأوساط الأكاديمية والسياسية والحقوقية في المغرب، حيث تفاعلت شخصيات مع خبر وفاته معبرة عن ألمها، ومعددة في الوقت نفسه مناقب الفقيد ومواقفه في علاقاته معها.
“يوم حزين جداً”. هكذا علقت الناشط اليسارية لطيفة البوحسيني بعد تلقيها نبأ رحيل بنعبدلاوي، وكتبت: “صديقي وأخي الأستاذ والمناضل المختار في ذمة الله”، بينما أشار الأكاديمي عبد الإله المنصوري إلى أنه كان كلما تم تنبيهه إلى ضرورة الاهتمام بوضعه الصحي، “كان يؤكد أن ارتفاع المعنويات بما يحققه الشعب الفلسطيني من منجزات رغم التوحش الصهيوني، جزء من نجاحه في المعركة ضد المرض اللعين الذي كان يواجهه بصبر وتحد واطمئنان وإيمان صلب بالحياة”.
وأورد المنصوري أن صديقه بنعبدلاوي كان رغم انشغاله الأكاديمي والمدني -طيلة سنوات نشاطه- لم يبتعد عن القضايا السياسية والاستراتيجية الكبرى، حيث واكب معظم فعاليات التضامن المغربية مع الفلسطينيين، “والعدوان الأمريكي على العراق، وكذا العدوان الصهيوني المتواصل على فلسطين ولبنان وسوريا، “ورغم أنه واجه وضعاً صحياً صعباً ومعقداً لم يمل أو يكل في اهتمامه بقضايا وطنه وأمته”.
وذكر المتحدث ذاته أن الفقيد كان قد اجتاز عملية جراحية معقدة في فرنسا، قبل شهرين، فكان نقاشه عند زيارته له “منصباً حول مآلات المعركة التاريخية التي يخوضها الشعب الفلسطيني في طوفان الأقصى، ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني”، مشيراً إلى أنه كان “نموذجاً في الصبر والأخلاق مهما كان الاختلاف الفكري والسياسي”.
ومن جهته، كتب عمر إحرشان الأكاديمي والقيادي في جماعة العدل والإحسان: “المختار من أفاضل هذا البلد والأمة العربية عرفته منذ كنت طالباً في الجامعة وهو حينها أستاذ مناضلاً وغيوراً على قضايا الأمة وله قدرة كبيرة على حسن تدبير اختلافاته البحثية والحزبية والسياسية”، مشدداً على أنه “لا يتفوه بأي كلام سيء في حق أي كان”.
وأضاف قائلاً: “أذكر آخر مرة رأيته فيها وهو مقبل على إجراء عملية، وأثرت في كثيراً نفسيته المتفائلة وما يحمله من هم عن أحوال المغرب والأمة”، لافتاً إلى أنه كان دائماً من النماذج التي “استطاعت المزاوجة بتوفيق بين صفته الأكاديمية والسياسية دون أن تتأثر إحداهما بالأخرى”.
وبدوره علق فؤاد بن أحمد أستاذ الفلسفسة في دار الحديث الحسنية، موضحاً أنه لم يلتق الراحل المختار بنعبدلاوي، لكنه كان يتابع فعالياته الفكرية منذ فترة طويلة، والتي كان بينها “نشره نهاية القرن الماضي قراءة هامة في خطاب التأصيل في الإسلام المعاصر، والبرنامج التلفزيوني مقاربات الذي كانت تبثه القناة الثانية وتميز فيه المختار بهدوء وبرودة أعصاب شديدين”.
ولفت إلى أن الرجل “كان يراهن محلياً ومغاربياً على الفعل الثقافي-التنويري لأجل تحريك همم الناس إلى الخروج من المآزق التي تتخبط فيها المؤسسات والأفراد بالعالم العربي”.
وفي نص تعزية، نشرها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قالت الكتابة الوطنية لهذا الأخير: إن الأكاديمي والحقوقي مختار بنعبدلاوي “كان شخصية بارزة في تأطير العديد من فعاليات الاتحاد (أوطم)، متميّزًا بمسيرة علمية وحقوقية جمعت بين مختلف التوجهات والمشارب، حيث أثبت قدرة فريدة على خلق حوار بنّاء بين كافة الأطياف”.
وأشار اتحاد الطلبة إلى أن بنعبدلاوي كان “رمزاً للمثقف المناضل الذي جمع بين الفكر والعمل، وبين العلم والنضال”، مؤكداً على أنه “لم يكن أكاديميا بارزا فقط، بل كان نصيرا لقضايا الأمة، مؤمنًا بأن واجب المثقف يتجاوز القاعات الدراسية ليصل إلى ساحات الدفاع عن الحقوق والكرامة”.، حيث أن “فلسطين كانت دائمًا في قلبه وضميره، وجعل منها محورًا أساسيًا في نضاله الفكري والحقوقي”.
وشدد الاتحاد، حسب المصدر ذاته، على أن حضور الفقيد الفاعل وإسهاماته الفكرية والحقوقية كانت منارة تهتدي بها أجيال من الطلاب والشباب، الذين وجدوا فيه المعلم والأب والموجه، والمرشد في مسيرة الالتزام بالقضايا الإنسانية العادلة”.
وساهم مختار بنعبدلاوي بعدة إصدارات فكرية، من بينها ترجمته لكتاب جاك مونتوي: “موجز تاريخ الفلسفة”، وكتاب “الإسلام المعاصر: قراءة في خطابات التأصيل”، إلى آخر إصدار له سنة 2021 وهو عبارة عن مؤلف جماعي، بمشاركة فريق من الباحثين من المغرب وتونس وليبيا، ومصر، والعراق واليمن وسوريا، تحت إشرافه بعنوان: “ماذا بعد الربيع العربي؟”.
كما أسهم بعدد من الدراسات والمقالات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية في الفلسفة، والإسلاميات المعاصرة، ونظرية التحول الديمقراطي، وأشرف على تنظيم عدد من الندوات العلمية الوطنية والدولية، إضافة إلى تخصصه في الفلسفة السياسية والإسلاميات المعاصرة، وعمله مسؤولاً لوحدة الدكتوراه دراسات في الدين والسياسة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.