“وللحرية الحمراء باب”.. قصة البيت الشعري الذي صدح به يحيى السنوار في ساحات المقاومة
في إحدى الحلقات الخاصة من برنامج “ما خفي أعظم” الذي بثته قناة الجزيرة مساء الجمعة 24 يناير 2025، ظهر القائد السابق لحركة حماس يحيى السنوار بين أيدي مقاتليه في جبهات القتال في مدينة رفح الفلسطينية، وهو يرتدي ملابس بسيطة يكسوها غبار المعركة، مرددا بيتاً شعرياً خالداً “وللحرية الحمراء باب، بكل يدٍ مضرجة يُدق”، أبيات أثارت تفاعلاً واسعاً بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعود هذا البيت الشعري إلى قصيدة “نكبة دمشق” التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1926، تعبيراً عن استنكاره للهجوم الفرنسي الوحشي على دمشق خلال الثورة السورية الكبرى، حيث كانت دمشق تعيش تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، لكن الثوار السوريين، بقيادة سلطان باشا الأطرش، خاضوا معارك ضارية ضد المحتلين، مضحين بأرواحهم من أجل حرية وطنهم، وفي تلك الأوقات العصيبة، برزت كلمات شوقي كرمز للنضال والحرية.
في هذا السياق، ألقى أحمد شوقي قصيدته في حفل أقيم بحديقة الأزبكية في القاهرة لإغاثة المنكوبين السوريين، حيث كانت دمشق بأمسّ الحاجة للدعم بسبب الدمار الذي خلفه القصف الفرنسي.
ومن خلال قصيدته، عبّر شوقي عن دعمه لنضال الشعب السوري، ومجّد تضحيات الثوار الذين خاضوا معارك ضارية بقيادة سلطان باشا الأطرش دفاعاً عن حرية وطنهم.
وكانت القصيدة التي ألقاها شوقي بهذه المناسبة، طويلة مكونة من خمسة وخمسين بيتاً، ومطلعها: سلام من صبا بردى أرقّ ودمع لا يُكفكف يا دمشق ومن الأبيات المشهورة فيها:
دم الثوّار تعرفه فرنسا وتعلم أنّه نور وحقّ وللحريّة الحمراء باب بكلّ يدٍ مضرّجة يُدقّ
جزاكم ذو الجلال بني دمشق وعزّ الشّرق أوّله دمشق
ومن بين الأبيات الشهيرة في القصيدة، يبرز بيت “وللحرية الحمراء باب، بكل يدٍ مضرجة يُدق”، حيث يعبر شوقي هنا عن مفهوم الحرية التي لا تُحقق إلا بالتضحية الكبرى، وهنا كان يشير أساسا إلى أن بناء الأوطان لا يتم إلا من خلال الدماء التي يقدمها الشجعان من أجل تحرير شعوبهم، وفي هذا البيت، يربط بين الحرية والدماء، حيث لا يمكن للحرية أن تُفتح إلا عبر التضحية بالجميع.
وكان هذا البيت الشعري بمثابة دعوة للثوار في كل مكان للقتال من أجل كرامتهم وحريتهم، حيث ظلت معانيه رغم مرور أكثر من مئة عام على تأليفه، حية في قلوب الأجيال الجديدة، لا سيما في سياق النضال الفلسطيني الذي لا يزال مستمراً ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويعد السنوار أحد أبرز القادة الذين جسدوا معاني هذه الكلمات.
وبترديده لأبيات هذه القصيدة، أثار يحيى السنوار، إعجاب الكثيرين، حيث أثبت أن الحرية تتطلب ثمنًا غاليًا، وأن الأبطال هم الذين يدفعون ذلك الثمن بكل فخر واعتزاز، حيث عكس هذا البيت الشعري التزامه الكامل بالنضال في سبيل الحرية للأراضي الفلسطينية.
وضمن البرنامج ذاته، كشفت كتائب عز الدين القسام عن لقطات حصرية لقائد حركة المقاومة الإسلامية يحيى السنوار قبل استشهاده.
حيث أظهرت اللقطات أن السنوار كان فوق الأرض يقود عمليات ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في رفح ومناطق أخرى، كما أظهرته يتنقل في أكثر من منطقة بين الكمائن ويرفع معنويات المقاتلين من كتائب القسام في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي.
وفي لقطات أخرى، أظهرت الصور السنوار وهو يجلس أثناء التخطيط لتنفيذ عمليات مع قائد كتيبة تل السلطان في رفح محمود حمدان الذي استشهد معه في رفح، كما بينته في خطوط الجبهة وهو ينظر إلى آلية إسرائيلية تم استهدافها وإعطابها في حي تل السلطان بمدينة رفح.
وضمن البرنامج ذاته، بثت لقطات تظهر قائد أركان القسام محمد الضيف وهو يحدد المواقع العسكرية المستهدفة في هجوم السابع من أكتوبر.
ويوم الجمعة 18 أكتوبر 2024، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية -حماس- بشكل رسمي استشهاد يحيى السنوار، رئيس مكتبها السياسي، وذلك بعد ما يزيد قليلا عن شهرين لاختياره زعيما للمكتب السياسي لحركة حماس، خلفا لإسماعيل هنية، الذي اغتيل بالعاصمة الإيرانية طهران، في 31 يوليوز 2024، بعملية انفجارية نفذتها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وتعتبر إسرائيل السنوار، مهندس عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها فصائل فلسطينية بغزة، بينها حماس والجهاد الإسلامي، ضد مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية محاذية للقطاع في 7 أكتوبر 2023، ما تسبب في خسائر بشرية وعسكرية كبيرة لتل أبيب، وأثر سلبا على سمعة أجهزتها الأمنية والاستخبارية على المستوى الدولي.
ونتيجة لذلك، أعلنت إسرائيل أن القضاء عليه يعد أحد أبرز أهداف حرب الإبادة الجماعية الحالية على غزة.