“وثيقة” العدل والإحسان مكاشفة في انتظر فرصة
كشفت جماعة العدل والإحسان عن وثيقة سياسية جديدة وغير مسبوقة، تضمنت تصورا سياسيا شاملا لما ينبغي أن يكون عليه المغرب، دولة ومجتمعا وأفرادا، وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
من المرجح أنها تسعى لاستعادة زمام المبادرة بدل انتظار الفرص، والإسهام في الارتقاء بالنقاش العمومي من خلال الاشتباك مع القضايا الحيوية للمغاربة، وهو مسلك جديد في مسار الجماعة دلّت عليه، لحد الآن، عدة خطوات منها؛ انخراط الجماعة في النقاش العمومي حول تعديل مدونة الأسرة، والمبادرة إلى تنسيق مواقفها مع القوى المحافظة في المجتمع؛ الإعلان عن وثيقة المشروع السياسي بما يعنيه ذلك من تخل عن استراتيجية الغموض السياسي؛ وثالثا التراجع عن موقفها الرافض للعمل والتنسيق مع حزب العدالة والتنمية، كما أكدت ذلك مشاركتها المكثفة في مسيرة التضامن مع فلسطين يوم 11 فبراير.
أخذا بعين الاعتبار السياق السياسي، حيث الأحزاب ومؤسسات الوساطة تواجه صعوبات جدية في تحريك الركود السياسي القائم، وبينما تطارد السلطات تجار المخدرات والمفسدين الذين تسرّبوا إلى المؤسسات على مدى السنوات الماضية، تبدو الوثيقة السياسية للجماعة الخطوة الأهم في سياق المراجعات القائمة داخلها، حيث إنها تؤسس لمرجعية سياسية وفكرية جديدة، وهي التي ظلت منذ تأسيسها تحيل حصرا على الإنتاج الفكري والسياسي لمؤسسها الراحل الشيخ عبد السلام ياسين. لذلك، يمكن القول إن الوثيقة الجديدة نقلة بارزة في مسار الجماعة، قد تجعلها أكثر وضوحا لدى أنصارها وخصومها على السواء، وتنقلها من الغموض إلى الشفافية، بل وتمنح المكون السياسي داخلها خارطة طريق واضحة للمضي أكثر نحو الأمام.
ذلك أن الوثيقة الجديدة لا ينبغي عزلها عن السياقين الخاص والعام؛ الأول، يتعلق بالمسار الذي قطعته الجماعة منذ وفاة مؤسسها الشيخ ياسين في دجنبر 2012، وهو مسار عاشت خلاله مخاضا فكريا وسياسيا حقيقيا، وقد أكدت الوثيقة أن الجماعة قضت، بكل مؤسساتها، أربع سنوات في إعدادها، ما يعني أنها تطلبت الكثير من النقاش والإقناع والمراجعات بين أعضائها؛ أما السياق العام فهو مرتبط بمعارك الجماعة مع السلطة، سواء خلال “الربيع العربي”، أو أحداث الريف وجرادة، علاوة على أحداث أخرى شكلت فرصة لها للتموقع السياسي من جديد، مثل الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2021، وكذا استئناف موجة التطبيع مع إسرائيل وما أفضت إليه من تطورات جوهرية في المنطقة العربية، أبرزها أحداث 7 أكتوبر والعدوان الإسرائيلي على غزة.
فكيف أثرت تلك السياقات على الجماعة؟ وما الأجوبة التي تقدمها الوثيقة إزاء مختلف التحديات؟ وهل هي بداية للتحول من جماعة للضغط من خارج المؤسسات إلى العمل من داخلها؟