“هيومن رايتس” والصحراء.. تطوّر أقل وخروقات أكثر!
نشرت منظمة “هيومن رايت ووتش”، يوم الخميس الماضي (16 يناير 2025)، تقريرها السنوي (التقرير العالمي 2025)، الذي يقدّم مسحا شاملا لوضعية حقوق الإنسان عبر العالم خلال سنة 2024، وقد ورد المغرب ضمن الدول التي سلط التقرير الضوء على ما سجّلته من انتهاكات وخروقات وتجاوزات…
وكباقي تقاريرها السابقة، أدرجت “هيومن رايت ووتش” حورا خاصا بـ”الصحراء الغربية”، ضمن تقييمها لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب، ويلاحظ أن هناك تطورا في تعاطي المنظمة مع هذه القضية، ومع ذلك، مازالت هناك مساحات رمادية يفترض في هيئة حقوقية بحجم هذه المنظمة أن تعالجها، وتلتزم بالمعايير الصارمة في تحليل حالة حقوق الإنسان.
يتمظهر تطور منظمة “هيومن رايت ووتش”، في تعاطيها مع قضية الصحراء، في الآتي:
1- السيطرة على الإقليم
اعتبرت المنظمة في تقريرها أن “معظم الصحراء الغربية تحت السيطرة المغربية منذ 1975″، دون أي إشارة إلى سيطرة جبهة البوليساريو على أي شبر من الإقليم، عكس ما كنت تسجله سابقا من خلال تقسيم الإقليم إلى غرب الجدار تحت السيطرة المغربية، وشرق الجدار تحت سيطرة البوليساريو، وهو ما كان دوما مَثارَ ملاحظات مقدمة للمنظمة لمخالفتها للقانون الدولي.
إن مفهوم “السطيرة” ليس بمفهومٍ حقوقي ولا قانوني، بل هو مصطلح سياسي وعسكري، وهو يعني الاستيلاء على إقليم معين، في حين أن ميثاق الأمم المتحدة، وفق المادة 72 من الباب 11، يسمّي الدولة التي تدبر الشؤون الأمنية والتعليمية والتنموية…، بصفة إقليم غير متمتّع بالحكم الذاتي ومسجل ضمن قائمة اللجنة الرابعة بالدولة القائمة على الإدارة.
إن اعتماد الأمم المتحدة لمفهوم الدولة القائمة على الإدارة، راجع بالأساس إلى سد الطريق على أي كيان غير معترف به أمميا أن يبسط هيمنته أو تدخله في شؤون إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، وهو حال جبهة البوليساريو الغير المعترف بها أمميا، وبالتالي، فالدولة الوحيدة الموجودة في المنطقة هي الدولة المغربية.
ويبقى أمام النخبة المغربية أن تبذل مجهودا كبيرا في توضيح هذا اللبس القانوني الدولي، خاصة في القنوات الإعلامية الدولية، التي تحاول شرح جغرافيا المنطقة، وتدّعي أن جزءا يسيطر عليه المغرب، وجزءا آخر تسيطر عليه جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر، وهو قول مغلوط على مستوى القانون الدولي.
2- منطقة تندوف
كانت المنظمة سابقا، في إطار هندسة تقاريرها، تدرج منطقة تندوف ضمن الخانة المخصصة للمغرب، وذلك في خرق كبير لأبسط معايير إعداد التقارير، وهي أن منطقة تندوف تدخل ضمن الولاية القانونية للجزائر وليس المغرب، وأكثر من ذلك، فإن سكّان تندوف (حاليا) لا تربطهم علاقة قانونية (جنسية أو جواز سفر) مع المغرب… وهذا التطور يُحتسب للمنظمة بعدما أبعدت الانتهاكات الحقوقية في منطقة تندوف عن المغرب.
بيد أن هذا “الإبعاد” لم تقابله مراقبة حقوق الإنسان بهذه المنطقة، حيث يوجد ضمن المقيمين بها سكّان تعتبرهم المنظمة لاجئين يعانون من عدة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وهي موثّقة، سواء من خلال أجهزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان، في حين لا نجد أي حديث عنهم في الخانة المخصصة للجزائر.
بالإضافة إلى التعذيب، والقتل خارج القانون، والحصار ومنع حركة التنقل، نجد أن الإحصائيات الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في مارس 2024، تفيد أن 88% من الصحراويين بمخيمات تندوف يعانون من انعدام الأمن الغذائي أو معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي، وأن 60% منهم غير نشيطين اقتصاديًا، وثلثهم بدون أي مصدر للدخل على الإطلاق، وأن 11 % من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرا، يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن نصف الأطفال والنساء في سن الإنجاب يعانون فقر الدم.
3- “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”
لم تتحدث منظمة “هيومن رايت ووتش”، في تقريرها الأخير، على كيان اسمه “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، بخلاف تقاريرها السابقة، الأمر الذي يتماشى مع الشرعية الدولية والقانون الدولي، لكون التعامل الطبيعي القانوني يكون مع الدول المعترف بها أمميا وليس الكيانات المعترف بها ذاتيا أو من قبل بعض الدول أو الهيئات الإقليمية.
إلا أن الإشارة هاته لا نجد لها صدى في تقرير “هيومن رايت ووتش”، حيث يمنع التأسيس، في تحليل واقع حقوق الإنسان، على مرجعيات غير شرعية وغير مشروعة، عكس خرجات بعض العاملين في المنظمة، الذين يتحدثون عن واقع قائم على الحزب الواحد ونظام مغلق، لكون العمل السياسي أو الحزبي بمنطقة تندوف يجب أن يكون على أساس الدستور والقوانين واللوائح الجزائرية، وليس بناء على تشريعات غير ذي أساس قانوني، كدستور وقوانين “الجمهورية الصحراوية”.
من جهة أخرى، ورغم أن التطور الذي عرفه تعاطي منظمة “هيومن رايت ووتش” مع قضية الصحراء، إلا أن التعامل مع هذه القضية مازالت تشوبه الكثير من “المطبات”، نذكر منها:
1- إحصاء سكان تندوف
أشار تقرير المنظمة إلى أن “هناك 173600 لاجئ صحراوي يعيشون في خمسة مخيمات قرب مدينة تندوف جنوب غرب الجزائر”. واستند التقرير، في تقدير هذا الرقم، إلى قاعدة الأمم المتحدة المخصصة للصحراء الغربية، مع العلم أن قاعدة البيانات المذكورة تتحدث عن نفس العدد، ولكن ترفقه بمصطلح “يقدر عددهم”، وهو عدد تقريبي وليس دقيقا.
ومن أجل وضع رقم دقيق، وكأول حق من حقوق اللاجئين، هو إحصاؤهم من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إذ يشكّل عدم الإحصاء خرقا سافرا في القانون الدولي الإنساني.
قاعدة بيانات الأمم المتحدة، في حديثها عن هذا الرقم، استندت إلى تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المعنون بـ”خطة الاستجابة الإنسانية للاجئين الصحراويين 2024-2025″، التي سجلت ملاحظتها بخصوص جمع البيانات المتعلقة بالإعاقة، على اعتبار أنه يتم بشكل تقليدي، إذ يعتمد على أساس تصريحات المعنين، وهذا لا يعكس الدقة وفق معايير مجموعة واشنطن.
ونفس الملاحظة تطرح نفسها بخصوص هذا الرقم المعلن، ويتعلق بكون 65% من هذا الرقم لديهم بطاقة هوية أو أوراق قانونية تثبت هويتهم (ص 34 من نفس التقرير). في حين أنه من الأولى، بخصوص وضعية اللاجئين، الإحصاء من قبل الجهة الأممية المختصة.
2- انتهاء وقف إطلاق النار
أشار التقرير إلى أنه “جبهة البوليساريو، التي تتخذ من الجزائر مقرا لها، أعلنت سنة 2020 انتهاء وقف إطلاق النار مع المغرب واستأنفت قتالها المسلح… حاولت مهاجمة مدينة السمارة الخاضعة لسيطرة المغرب، لكن الصواريخ لم تصل إلى هدفها ولم تسبب أي أضرار”.
وهذه الجملة، وفق المعايير الدولية، تطرح أربع إشكاليات على مستوى القانون الدولي:
أولا، لابدّ من التوضيح أن وقف إطلاق النار ليس اتفاقا ثنائيا بين المغرب والبوليساريو، بل هو اتفاقان أحاديان مع الأمم المتحدة، أي اتفاق بين البوليساريو والأمم المتحدة واتفاق بين المغرب والأمم المتحدة، الأمر الذي مهّد لبدء العملية السياسية سنة 1991، وبالتالي فإن إعلان جبهة البوليساريو انتهاء وقف إطلاق النار هو انتهاك التزامها مع المنتظم الدولي، ويعني بالدرجة الأولى الأمم المتحدة التي عليها الرد على هذا الخرق. فلا يوجد في القانون الدولي ما يسمح لكيان غير دولتي أن يملي أو يضع أجندته واستراتيجيته على الشرعية الدولية، إلا إذا كان كيانا “مارقا” و”إرهابيا” لا يؤمن بالقانون الدولي.
ولا يعقل أن يتم مسح أكثر من ثلاثين سنة من المجهودات السياسية والديبلوماسية والتكاليف المالية وهدر الزمن الدولي، بجرة قلم من كيان غير دولتي.
الإشكالية الثانية، تتعلق بكون البوليساريو، التي تخرق قرار وقف إطلاق النار، تتخذ من الجزائر مقرا لها، ولكن بالعودة إلى الباب الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة المشار إليه في هذا المقال، نجد أن المادة 74 منه تؤكد أن على جميع الدول أن يقوم تعاملها مع الدولة القائمة على إدارة الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي على “مبدأ حسن الجوار”.
فعن أي مبدأ حسن الجوار يمكن الحديث عن ميليشيات مسلحة غير نظامية وغير معترف بها أمميا تخرج من داخل أراضي دولة لتهاجم دولة جارة، وتعود هذه المليشيات لتختبئ داخل أراضي الدولة الحاضنة، وترفع علم السيادة الوطنية؟! فهذا يدخل، وفق القانون الدولي، في إطار العدوان وعدم احترام مبدأ حسن الجوار.
والإشكالية الثالثة، التي تطرحها الفقرة المومأ إليها أعلاه في التقرير، وتتعلق بمفهوم الخسائر أو الأضرار، فهل ترويع السكان المدنيين وفزع الأطفال والشيوخ والنساء في منتصف الليل بتعرضهم لـ”المهاجمة” وفق تعبير المنظمة، ألا يعتبر أضرارا؟ هل هدم منازل مدنيين لا يعتبر أضرارا؟!
والإشكالية الرابعة، تتمثل في عدم تناول تقرير المنظمة لـ”الأقصاف”، التي تعلن عنها جبهة البوليساريو يوميا!
وبالعودة إلى ما جرى التطرق إليه في المقال، فإن القائم على الإدارة في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي هي الدول، وليس الكيانات السياسية أو العسكرية، وبالتالي نجد أن أطروحة “الأراضي المحررة” تلاشت، وأن المنطقة العازلة تحوّل مركزها القانوني من منطقة مراقبة وقف إطلاق النار ولقاء مدني لبعثة المينورسو مع ممثلي جبهة البولساريو إلى “منطقة حرب”، بكل ما يحمل هذا المفهوم من أبعاد قانونية وعسكرية وأمنية، وكل دخول إليها، سواء من قبل مدني أو عسكري، فهو اختيار طوعي وإرادي لـ”الانتحار”…
إن تغيير المركز القانوني للمنطقة العازلة إلى منطقة حرب، تأكيد أن المغرب الوحيد “المسيطر” والقائم على المنطقة، شرق الجدار كما غربه…