هولندا وعقدة الأدوار المتقدمة
المنتخب الهولندي رغم أنه كان السباق إلى التسجيل ضد المنتخب الإنجليزي في مباراة نصف النهاية الثانية لكأس أمم أوربا التي جرت أمس بمدينة دورتموند، إلا أنه لم يستطع تعزيز تفوقه بهدف ثان، بل لم يستطع حتى الحفاظ على تفوقه أو إنهاء التسعين دقيقة بالتعادل على الأقل، وتلقى هدفا قاتلا في الوقت بدل الضائع.
المدرب رونالد كومان واجه منتخبا إنجليزيا وصل إلى نصف النهاية يجر خلفه سيلا عارما من الإنتقادات لمدربه ساوتغيت بسبب عدم استغلاله لوجود كوكبة من النجوم وتقديم آداء مقنع، إلا أن كومان ولاعبيه في منتخب الطواحين كرسوا تلك الصورة الكلاسيكية عن الكرة الهولندية بكونها تقدم أداءً راقيا في المباريات الأولى للبطولات المجمعة، لكنها تسيء التعامل مع الأدوار المتقدمة خصوصا في نصف النهاية والمباراة النهائية.
الهولنديون بدأوا المباراة بشكل جيد. وسجلوا هدف السبق وسيطروا على مجريات اللعب بطريقتهم المعروفة التي تستمد أصولها من تكتيكات الكرة الشاملة التي تمارس الإستحواذ المطلق على الكرة وتعديد التمريرات القصيرة ومحاولة الوصول إلى المرمى بشكل جماعي، لكن لم يواصلوا أسلوبهم ذاك طويلا، إذ أمام استغراب المتابعين تراجع لاعبو هولندا إلى الدفاع وتركوا الكرة للإنجليز للإستحواذ وصناعة الهجمة تلوى الأخرى، استطاعوا بواسطة إحداها الحصول على ضربة جزاء، وتسجيل هدف قاتل في الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع في الجولة الثانية.
مباراة أمس كرست رأيا قديما حول المنتخب الهولندي.. هولندا عندما تَخلُص لطريقتها وهويتها الكروية بلاعبين من قيمة عالية تمرسوا على فلسفتها ويتقنونها فوق الملعب، فمن الصعب هزيمتهم ولو كان الخصم أقوى ما يوجد من منتخبات العالم، لكن عندما يحيد مدربوها عن أصلهم ويلجؤوا إلى طرق تكتيكية أخرى يتعرضون للهزائم النكراء وأحيانا بحصص ثقيلة.
واضح أن مشكل الكرة الهولندية هو في إجادة لاعبيها للبدائل التكتيكية المطروحة عليهم من بعض المدربين في لحظات خاصة، إذ لا يمكن لأحد أن يتصور مثلا إحدى عشر لاعبا هولنديا يدافعون عن مرماهم بطريقة “الكاتناشيو” أو يغلقون المنافذ واللعب على المرتدات، ببساطة لأنهم تَشَرّبوا من الأسلوب “الرومانسي” الحالم، واللمسات القصيرة، والهجوم المستمر بأكبر عدد من اللاعبين، وكومان كان أمس ضحية سوء اختياراته التكتيكية الغريبة عن لاعبيه بإرجاعهم إلى الخلف بعد تسجيل هدف السبق وترك المساحات الفارغة للإنجليز لأخذ زمام المبادرة والعودة في النتيجة و”سرقة” تأهل مثير والمباراة تلفظ آخر أنفاسها.
هي عقدة الأدوار المتقدمة أصابت الكرة الهولندية منذ السبعينات ولا زالت مستمرة إلى اليوم، وقد تستمر هذه العقدة خلال المناسبات القادمة ما لم يقع تغيير عميق في فلسفة تكوين اللاعب الهولندي، ليصبح لاعبا قادرا على تطبيق جميع الخطط والإندماج في كل الطرق والمناهج التكتيكية.