هل يعرقل انقلاب النيجر نقل غاز نيجيريا عبر الدول المغاربية؟
أعاد الانقلاب العسكري في النيجر الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، مشاريع نقل الغاز النيجيري عبر الدول المغاربية إلى الواجهة من جديد، سواء تعلق الأمر بالمشروع الجزائري أو المغربي أو الطموح الليبي، وسط مخاوف من عرقلة المشروع الاستراتيجي بالنسبة لنيجيريا ومعها أوروبا، في وقت يرتفع فيه الطلب العالمي على الغاز الطبيعي خاصة من جانب الاتحاد الأوروبي الباحث عن بدائل غاز روسيا المعاقبة، بسبب حربها ضد أوكرانيا. فيما يبدو من غير المرجح أن تعود النيجر، بلد عبور الطموح المغاربي للوصول للغاز النيجيري، إلى الديمقراطية على المدى القصير.
مشروع أنبوب الغاز الجزائري على كف عفريت
التطوريات الأمنية الأخيرة في النيجر، باتت تهدد عددا من المشاريع في المنطقة، من بينها مشروع أنبوب الغاز العملاق الذي تنفذه الجارة الشرقية الجزائر مع نيجيريا، والذي يمهد الطريق لتحقيق حلم خط أنابيب الغاز العابر للصحراء “َAKK”.
المشروع يهدف إلى نقل الغاز من الجنوب نيجيريا إلى الشمال من أجل وضع حل جذري لأزمة الكهرباء في هذه المناطق، وينظر إليه بصفته الجزء الأول من مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري الذي يمتد عبر الصحراء الافريقية لنقل الغاز من أبوجا إلى أوروبا، ويربط نيجريا بالجزائر عبر تراب النيجر.
وبات هذا المشروع الضخم على كل عفريت، في ظل تعاظم المخاوف الجدية من انعكاس الوضع الأمني في النيجر على المشاريع الاقتصادية المبرمة مع نيجيريا، وهي مخاوف عكستها تصريحات جزائرية متوالية خلال الأيام الأخيرة، منها تصريح الخبير والمستشار الجزائري في قطاع الطاقة، شعيب بوطمين، خلال حديثه عن مشروع خط أنبوب الغاز الجزائري النيجيري، حيث قال أن “نيجيريا والجزائر لديهما الإمكانيات المالية لتنفيذ المشروع، ولكن القضية الكبرى هي التمرد العسكري داخل النيجر”.
وكانت الجزائر تتطلع لانتهاء أنبوب “AKK” في نيجيريا، للانطلاق في إنجاز مقطع النيجر للأنبوب العابر للصحراء المسمى نيغال، وهو المرحلة الأصعب، قبل ربطه بشبكة أنابيب نقل الغاز الجزائرية نحو أوروبا، خاصة بعد إحياء مشروع أنبوب غالسي الذي يربط الجزائر مباشرة بإيطاليا، وهي مرحلة ازدادت صعوبة اليوم، بالانقلاب في النيجر والاضطراب الأمني فيها.
أنبوب المغرب-نيجيريا
يتنافس المغرب والجزائر على تصدير الغاز النيجيري إلى أوروبا، إذ إن لكل من البلدين مشروعا خاصا، ووقع كلاهما مذكرات تفاهم مع أبوجا للشروع في تنفيذ المشروع.
آخر تطور شهد مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري كان قبل ما يقارب السنة، بتوقيع مذكرات تفاهم لانضمام 4 دول أفريقية جديدة إلى المشروع الهادف لنقل الغاز من دول غرب أفريقيا إلى أوروبا، وهي ساحل العاج، وليبيريا، وغينيا وبنين على مذكرات تفاهم مع المغرب ونيجيريا، للانضمام إلى مشروع أنبوب الغاز، ليرتفع عدد الدول المشاركة فيه إلى 10 دول.
ومن المقرر أن ينطلق أنبوب الغاز المغربي النيجيري من أبوجا وينتهي في الرباط، ويمر عبر 11 دولة، وهي: بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، إذ يهدف إلى نقل ما يقرب من 3 مليارات قدم مكعبة من الغاز يوميا (0.084 مليار متر مكعب يوميا أو قرابة 30 مليار متر مكعب سنويا)، على طول ساحل غرب أفريقيا وصولا إلى المغرب ومنه إلى أوروبا.
تحديات الأمن للأنبوب المغربي
يتوحد مصير المشروع المغربي والجزائري لاستغلال الغاز النيجيري، بالاصطدام بالتحديات الأمنية ذاتها، والتي تجعل المشروع برمته مفتوحا على المجهول.
أنبوب الغاز المغربي مع نيجيريا خطط له ليمر على طول ساحل الغرب الأفريقي، عبر دول بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وصولا إلى المغرب على أن يربط بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي وشبكة الغاز الأوروبية.
إلى جانب هذا الخط المباشر نحو المغرب عبر الغرب الافريقي المستقر نسبا، يشمل المخطط تزويد الدول غير الساحلية الأعضاء في المجموعة بالغا، وهي النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وهو الجزء الذي يواجه تحديات أمنية كبيرة، حيث أن النيجر تعيش على وقع الانقلاب، فيما تعرف دول أخرى من المنطقة في عين عاصفة الاضطرابات وسلسلة من الأحداث الإرهابية.
وخلال أسبوع واحد فقط، سجلت المنطقة مقتل 13 شخصا في هجوم شنه تنظيم “بوكو حرام” على قرية “وولاري” في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا، وفي النيجر، أعلن الجيش في بيان، مقتل 6 من جنوده، بينهم رئيس بعثتهم، وأصيب واحد، كما قتل 10 إرهابيين، خلال عملية مطاردة في منطقة “الحدود الثلاثة” المشتركة مع مالي وبوركينا فاسو غرب البلاد، أما في مالي، فقد أعلنت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار “مينيسما” إصابة 3 من أفرادها بجروح، إثر وقوعهم في كمينين، عند انسحابها مطلع الأسبوع من منطقة “بير” شمالا، وقبل أيام، قتل 20 شخصا، معظمهم تجار، في بوركينا فاسو، في هجوم شنه إرهابيون قرب مدينة بيتو في المنطقة الشرقية الوسطى، المتاخمة للحدود مع دولة توغو.
مصير مشابه للمشروع الليبي
في ظل التعثر والتأخر الذي عرفه مشروعي المغرب والجزائر للربط بأنبوب غاز مع نيجيريا خلال السنوات الأخيرة، قدمت ليبيا مشروع إنشاء خط غاز مع نيجيريا لنقله إلى أوروبا، كبديل عن مشروعي الجارين المغاربيين، بأفضلية القرب من نيجيريا.
وفي ذات السياق، أعلن وزير النفط والغاز محمد عون، في مؤتمر صحفي بطرابلس، قبل أشهر أن وزارته قدمت دراسة لحكومة الوحدة الليبية بشأن خط الغاز النيجيري المقترح إلى أوروبا. دراسة تقترح عبور الأنبوب من النيجر بدل تشاد. وبدأت بين مسؤولين ليبيين ونيجيريين مباحثات استكشافية حول جدوى هذا المشروع، على هامش اجتماع “منظمة منتجي البترول الأفارقة” قبل أشهر، والتي تضم 16 دولة من إجمالي 55 عضوا في الاتحاد الإفريقي.
ورغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تعاني منها ليبيا، إلا أنها راهنت على ميزة أفضلية مرور أنبوب نقل غاز نيجيريا عبرها نحو أوروبا، لكون المسافة بين آبار الغاز في نيجيريا نحو الأسواق الأوروبية تقل بألف كيلومتر على الأقل، بحسب وزير النفط الليبي محمد عون، مقارنة بمشروعي أنبوبي الغاز المارين عبر الأراضي الجزائرية أو المغربية، دون أن يذكر طوله، ولكن من المرجح أنه في حدود 3 آلاف كلم.
غير أن الطموح الليبي لتقديم بديل عن المشروع الجزائري أو المغربي لنقل الغاز النيجيري نحو أوروبا، بات يصطدم بنفس التحديات الأمنية التي تواجه المشروعين الأولين، ليصبح مرهونا بالتطورات الأمنية التي تعيشها النيجر بعد الانقلاب على الرئيس محمد بازوم.