story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

هل من بديل عن سينما التيار السائد؟

ص ص

شهدت الكلية المتعددة التخصصات بوارزازات، الأسبوع قبل الماضي، مؤتمرا دوليا في موضوع ‘السينما البديلة: المنطلقات الفكرية والرهانات الإبداعية’، بمشاركة لفيف من الباحثين والنقاد والمخرجين وكتاب السيناريو المغاربة والعرب والأجانب، زاد عددهم عن الخمسين. وكانت الغاية من مناقشة هذا الموضوع البحث في احتمالات إنتاج سينما مغايرة عن إنتاجات التيار السائد، وبعيدة عن القيود التي تفرضها شركات الإنتاج وسلط الرقابة المختلفة… أما سياق الموضوع الذي لم يكن بارزا لحظة التفكير في عقد هذا المؤتمر، فيكمن في الفضائح المتفجرة بالجملة في هوليوود بعد بروز قضية ‘ديدي’ في الإعلام الأمريكي والعالمي خلال الأسابيع القليلة الماضية.
بعد أن تابعتُ أشغال مؤتمر وارزازات من أولها حتى آخرها، تبادر إلى ذهني سؤال حارق ينبغي أن يفكر فيها كل مشتغل بالسينما، لا سيما في مغرب اليوم. وهذا السؤال هو: هل يستطيع المغرب وباقي الجنوب العالمي أن ينتج صورته البصرية، بعيدا عن تدخلات المركزية الغربية وتأثيراتها؟ أقصد هنا بالصورة البصرية مختلف أشكال التعبيرات والإبداعات المحمولة على الوسائط السمعية والمرئية المتنوعة. في الواقع، يستدعي هذا السؤال البحث في مدى قدرة سينما هذا المغرب، والجنوب العالمي برمته، على تحدي السرديات والمنظورات التي ظلت تؤطره بصريا، داخليا وخارجيا، منذ ظهور السينما والتلفزيون حتى بروز وسائط الإعلام المتعددة وانتشارها في نطاق واسع. كما يروم النظر في مدى قدرته على أن يتمرد على الرؤية الغربية- أستعمل هنا كلمة ‘رؤية’ بمعناها البصري، لا بمعناها الفكري النظري- وأن يقدم نفسه، وباقي العالم، في صورة متأمِّلة أو مقاوِمة أو سجالية، لكن بعيدا عن التمثيل النمطي والتصوير المنحاز. بمعنى آخر، هل يستطيع هذا المجال الجغرافي والثقافي الواسع، أكان مقتنعا بفكر المقاومة أو متشبثا بذاكرة التابع أو بفلسفات أخرى أو مجرد مجتمعات أهالي تواصل حياتها الطبيعية بعيدا عن التأثيرات الكولونيالية وما بعد الكولونيالية، أن يناقش الإرث الكولونيالي، بتداعياته الرأسمالية المتوحشة، وبكل تأثيراته السلبية في الذات والهوية والذاكرة والتاريخ؟ وهل هو قادر على أن يفكك الاستلاب الثقافي والهوياتي الذي كرسته الكولونيالية على امتداد أكثر من أربعة قرون؟ والأهم من ذلك، هل تسمح له الصورة السينمائية أن يعيد ربط وجوده مع جذوره التاريخية وهويته وثقافته، وأن يبني حداثه الخاصة، انطلاقا من سيرورته الحضارية التي خربتها الكولونيالية الغربية مع مطلع القرن السادس عشر؟
يكشف واقع التجربة السينمائية المغربية، على سبيل المثال، أن هذه الرؤية الفلسفية البديلة، التي ينبغي أن يستند إليها الإنتاج الفني، غير قائمة حتى الآن، نظريا على الأقل. ذلك أن جل الإنتاجات السينمائية المحلية تعكس، بوعي أو بدونه، سمات من تمثيلات التيار السائد النمطية والسلبية. من هنا، افترض معظم المشاركين في مؤتمر وارزازات أن بلدان هذا الجنوب العالمي، وفي مقدمتها المغرب، التي ظلت تاريخيا إما منبوذة أو مهمشة أو محرومة أو خاضعة أو مضطهدة على يد قوى الهيمنة الغربية، مطالبة بأن تبدع مجموعة من المقاربات السينمائية المتنوعة، لتقدم وجهات نظرة بديلة عن التمثيل والتصوير الغربيين المنحازين والمتعاليين. كما ينبغي أن تفكك ماضيها المبني في غالبه على روايات كولونيالية متباينة الأهداف، وتتصور مستقبلا مغايرا لذلك، وتنتقد الأيديولوجيات الغربية أو المتغربنة، وتقوض السرديات السائدة التي ظلت تصوغ نظرتنا إلى العالم، وتساهم في تعزيز تمثلات الثقافات والمجتمعات الجنوبية، وفي تكريس صورها النمطية.
ولكي تحقق السينما البديلة هذا الشرط الشمولي، ثمة أربع قضايا كبرى تستدعي اهتماما فوريا: أولا، ما تزال الصورة البصرية المحلية في حاجة إلى فضح الأطماع الإمبريالية التي تواصل نزوعها الرامي إلى الهيمنة على خيرات الجنوب العالمي؛ ثانيا، ما تزال هذه الصورة في حاجة إلى إبراز التعدد الاجتماعي والثقافي والهوياتي والعرقي، بوصفه يمثل ثراء لشعوب هذا الجنوب العالمي؛ ثالثا، تحتاج هذه الصورة إلى تحدي السرديات الغربية حول الإنسان الجنوبي، وإلى كشف التمثيلات السلبية والزائفة حول ثقافاته وهوياته وعاداته وتقاليده وأديانه، الخ.؛ وأخيرا، ما تزال هذه الصورة في حاجة إلى بناء أفق كوني تعيد من خلاله تخييل العالم وبناء تمثيلاته بعيدا سلط الهيمنة والتحكم والرقابة والتوجيه، أو سلط التنميط والتحيز والتبخيس، أو سلط التقاطبات والثنائيات الحادة، أو ما شابه ذلك.
ومن المهم هنا الاعتراف بالجهود الفكرية التي يقودها الباحث حميد اتباتو وزملاؤه في الكلية متعددة التخصصات في وارزازات في مجال التفكير في السينما، والباحث خالد أمين من كلية الآداب بتطوان وزملاؤه في المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة في مجال التفكير في المسرح والفنون الأدائية، وغيرهم في مواقع جامعية وأكاديمية أخرى. إن هذه الجهود تمثل، بالفعل، بذرة رائعة لتخصيب منظور جنوبي قادر على تصحيح وضع فني مختل ما يزال يرى في الغرب، وفي هوليوود أساسا، قدوته المثالية من ناحية أولى، وعلى توليد فكر وإبداع محليين يعيدان تخيل العالم من زاوية إنسانية صرف من ناحية ثانية.