story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

هل تجب محاكمة أخنوش؟

ص ص

في فيلم (مرُّوكية حارة) لهشام العسري، تقول الممثلة فدوى طالب، التي تؤدي دور البطولة: “المخطط الأخضر والخضرة غالية.. المرّوك بلاد لباس عليها وكلشي مكمّل غا بالدْفال.. نعرفو نبنيو ومنعرفو نصلحو”، ضمن مشاهد مليئة بالنقد والنقض لتصوراتنا عن أنفسنا وتعثرٍ في كثير من المجالات، مترافقا مع سرديةٍ سينمائية تفضح التناقض الصارخ وطافحةٍ ببؤس تجتهد الدولة في إخفائه وقد تجاوَرَ الترامواي والكاريان، والعمارة الشاهقة ومطرح الأزبال، وغيرها من مظاهر شرخٍ تعيش الحكومة بشأنه “حالة إنكار”.
“المخطط الأخضر والخضرة غالية” ليست لغة سينمائية، بل واقعٌ وكلام يتردّد على الألسن بكل الطرق والغرض الواحد. وكل الغرض إدانة رئيس الحكومة الآن وزير الفلاحة سابقا عزيز أخنوش، بشأن حصاد المخطط الأخضر الذي بشّر بخيراته فلم يكن نصيب الفقراء منه سوى “الجعجعة ولا طحين”. في نقاشات الناس يطفو حديث غلاء الأسعار، داخل بلد صار مواطنوه أكثر شكوى وتذمّرا، فيما رئيس حكومتهم يرى إنجازات و”معجزات” لا توجد إلا في أوراقه ومخيّلته.
وهل نحتاج بعد اليوم إلى دليل على أن رئيس الحكومة الحالي فشل في مخططه الذي ما عاد أخضرَ وقد تغيّر إلى اليَباس والقحط والإجهاد المائي، والغلاء المتفّجر في ما يأكله المغاربة؟
أخنوش كان مستأمناً على الأمن الغذائي للمغاربة، ومهما بسط من أرقام الاستثمار في الفلاحة، وارتفاع المساعدات المالية الممنوحة، ورفع إجمالي الناتج المحلي الفلاحي، وصادرات المنتجات الفلاحية، ومشاريع الفلاحة التضامنية، والمشاريع ذات القيمة المضافة العالية، فإن خروج المواطن لـ”التْقَدْية” تُخْبِر عن فشل ذريع بعد تحويل منظومة الإنتاج نحو الخارج، ما أدى إلى نوع من التجويع للداخل. ثم ما فائدة كل كلام السياسيين و”المسيَّسين بزّز” والهجوم بالأرقام غير المتحَقّق من صدقيتها أو انتقائيتها إن كان المغاربة يشعرون أن نكسةً حلّت بهم ويجدون حُرقتها في جيوبهم، وأن أزمات متلاحقةً نزلت فوق رؤوسهم بفعل برامج يجب أن تخضع ودون إبطاء للمحاسبة والتدقيق لتقييم حجم الأضرار التي تسبّب فيها. ولتكن بداية التدقيق من الزراعات المعيشية التي تعني يوميات المواطنين وكيف تغيّرت جغرافياتها ولصالح من، وجدوى تطوين زراعات في بيئات هشّة وغير متوائمة، وأيضا لحساب من جرى إطلاق أيادي محظوظين بتمويلات عمومية لا يعنيهم الأمن الغذائي لهذا البلاد ومهتمون أكثر بما يستهلكه مواطنو ما وراء البحار شمالاً، حتى ارتفعت الأسعار وأرهقت ساكنةَ الداخل. ولئن بدأت المحاسبة فلا يجب أن تنتهي عند حدّ مراجعة السياسات المائية، الذي نكاد نصل بسببها إلى الندرة بسبب الهدر الناتج عن مخططات عوجاء شكلت ولا تزال خطراً على مستقبل واستقرار بلدنا، في ظل تحولات مناخية لن ترحم، وقد تسبّب حروبا ومجاعات ومآسي.
أخنوش بسياساته تسبّب في خطر كامنٍ يترصّد الأمن الغذائي للبلد، حين جعل مواطنيه في حالة من التعْسير ليتمكنوا من تأمين ما يسدّون به جوعهم وما يروون به عطشهم. ولعلّه ليس سراً توجهٌ إلى تقنينٍ لتوزيع الماء كان (ولا يزال) قريبا من مدن كبرى.
سياسات أخنوش في القطاع الفلاحي تتجه إلى أن تنتج أوضاعاً مزمنة وصعبة التدارك، ويجب أن تخضع للحساب، وأن تجري مراجعة سنوات طويلة من إشرافه المباشر، وزيرا للفلاحة ورئيسا للحكومة تالياً، على قطاع يرتبط بمعيش المواطنين إلى أن صار الموز والتفاح و”الزيت العود”، والهندية فاكهة الفقراء، وغيرها من أساسيات موائد المغاربة، ترفاً وكماليات “لا يمُسّها إلا المحظوظون”.
دبّر أخنوش الأمن الغذائي للمغاربة على امتداد سنوات، وتمتع بـ”كارت بلانش” لفعل ما يريد، وتحكّم في ميزانيات هائلة، وكان “سوبر وزير” يحضر متى شاء ويغيب متى شاء عن اجتماعات الحكومات قبل أن يصير رئيساً، فأطلق سياسات وبرامج وتمويلات، وقد حان الوقت لتقييم أوجه صرف تلك الأموال والنتائج المتحصّلة من ورائها، ومن استفاد. وكلنا شهودٌ، من ضمن أمور كثيرة، على “مُنْكر” أسعار الأضاحي بعد سنوات من الدعم السائب الذي لم ينعكس إنتاجيةً ووفرةً حتى صار المغرب مضطرا للاستيراد (وقصّة رخص الاستيراد تلك وحدها حكاية كبيرة في زمن حكومة المصالح ولَهْمُوز).
وإن كان أخنوش دبّر الأمن الغذائي للمغاربة وحان الوقت لجرد الحساب، فإنه أيضا فاعل رئيسي ومستثمر كبير في مجال الطاقة، وقد سارت بنفوذه الرُّكْبان (مثلما يُقال)، وسط أحاديث كثيرة عن ملف المحروقات وارتفاعات أسعارها، وشبهات احتكارات وتواطؤات بسببها “وقف حمارُ مجلس المنافسة في العَقَبة”.
وأن يجمع رجل أعمال بين يديه التدبير والنفوذ في الأمن الغذائي والأمن الطاقي في بلدنا، ويكون رئيسا للحكومة، فهذا أدعى أن تُفتح العيون أكثر حول السياسات الحكومية وتدقيقها، وتحديد المستهدفين بها، وهل فعلا كل المواطنين مستفيدون، أم فئة من المواطنين تُشغِّل الحكومة لحسابها، وترصد مُقدّرات الدولة لجهتها، وتستغل المؤسسات لتثمين أرصدتها وتكثير أموالها. حكومة الدولة المغربية يجب أن تخدم كل المغاربة، لا حكومةَ جزءٍ من الشعب يعتبر أغلبَ الشعب زبوناً مُغفَّلا في “بيعة وشرية” يريدها بمنطق “الله يجعل الغفْلة بين البيع والشاري”.