هدم بنايات بحي المحيط بالرباط.. متضررون: لن نُطرد من منازل قضينا بها 70 عاماً

“كيف نغادر مساكننا بعد 70 سنة؟ ولصالح من؟” يتساءل سكان الواجهة البحرية لحي المحيط بالعاصمة الرباط حسرة على منازل قطنوها لأكثر من 7 عقود، غير مستوعبين لفكرة إخراجهم من تحت أسقفها، وهدمها بقرار يرون أنه “يفتقر لأي سند قانوني”.
أديب الصالحي، يقطن منذ 52 عاماً بأحد المنازل المهددة بالإخلاء، وُلِد ونشأ وشاب بين جدرانها، يحكي لصحيفة “صوت المغرب”، تفاصيل ما حدث منذ يونيو الماضي، عندما “بدأ الأمر بطلب إزالة إضافات خارج المنازل”، وتمت إزالتها “دون اعتراض من طرف السكان”.
وطُلب من سكان الحي إصلاح واجهات المنازل، وفقاً للصالحي، وهو ما قاموا به “من أموالهم الخاصة منذ غشت الماضي”، وذلك “استجابة لمبادرات تزيين المنطقة وإدماجها في المخطط العمراني”.
واستمرت الإصلاحات إلى أن طُلب منهم التوقف عنها “بحجة تنفيذ مشروع إصلاح نموذجي موحّد”، ليتم لاحقاً “ضرب كل الجهود التي بذلها السكان عرض الحائط، وإبلاغهم شفوياً بقرار هدم شامل دون أي مستند رسمي مكتوب”، يوضح الصالحي.
ويقول المتحدث إن السلطات المحلية بدأت بإزالة المنازل الآيلة للسقوط، وذلك وفقاً لاتفاق مع ملاكها من خلال عمليات اقتناء غير واضحة المعالم من أجل هدمها”، مشدداً على عدم وجود قرار مكتوب، إذ أنه “يتم العمل بقرار شفوي مبني على تفاهمات بين الملاك والجهة التي تم تفويت الأراضي لها، دون معرفة إن كانت الدولة أم جهة أخرى”.
وأعرب المتضرر عن قلقه من توقيع المواطنين من ملاك المنازل على التزامات لا يدركون مضمونها، “بحيث أنها لا تحمل صفة قانونية واضحة، ولا تعتبر حتى وعداً بالبيع، مما يجعل العملية بأكملها غير شفافة في ظل غياب مسطرة لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة”.
ويشير الصالحي إلى أن السلطات المحلية “تمارس ضغوطاً لإقناع السكان بأن الأمر يتعلق بقرار رسمي صادر عن الدولة”، ومع ذلك، لم يتوصل السكان وفقاً للمتحدث بأي وثيقة رسمية تثبت ذلك.
ويقول: “نحن ندرك تماماً كيفية سير الأمور والإجراءات القانونية الواجب اتباعها. إذا كان الهدف من هذه العملية تحقيق المنفعة العامة، فنحن نرحب بها، لكن إذا كان الهدف تهجير ساكنة قديمة وإحلال أخرى، فهذا أمر غير مقبول، لا سيما أننا نقطن في هذه المنطقة منذ أكثر من 70 عاماً”.
ويعتبر الصالحي إخراجهم من المنازل التي يقيمون بها لعقود “ظلماً لا يتماشى مع رؤية الملك محمد السادس، التي تُعطي الأولوية لكرامة المواطنين”، مؤكداً أن السكان المتضررين يرفضون ما وصفه بـ”القرار غير المبرر”، مبدياً العزم على مقاومته “لأننا لا نفهم مبرراته الحقيقية، ولا نعلم لمن تم التفويت وكيف ولماذا”.
أما بخصوص التعويضات، فيقول أديب الصالحي إنه تم تحديدها “بشكل أحادي، في سعر لا يناقش”، إذ تقدر بـ13 ألف درهم للمتر المربع بالنسبة للمنازل المحفظة، و10 آلاف درهم لغير المحفظة، معتبراً أن ذلك “ليس من اختصاص السلطة، التي يفترض أن تضمن الأمن والاستقرار لا أن تهدد المواطنين بالإخلاء، خصوصاً في شهر رمضان، حيث يطلب منهم مغادرة منازلهم في ظرف زمني قصير”.
وقال “نحن نعيش الآن تحت الضغط، علماً أنه من واجب الدولة السهر على راحتنا، وليس على تعكيرها”.
وانتقد الصالحي تركهم من قبل السلطة في مواجهة مباشرة مع الملاك، “الذين في الغالب لا يكترثون سوى بالحصول على التعويضات والرحيل”، مشيراً إلى أن الحلول المقدمة “سطحية ولا تعالج المشكلة بشكل جذري”.
ويرى أنه لا بد من توفير بدائل اجتماعية عادلة. ويضيف أنه على الرغم من أن سكان المنطقة يعانون من الهشاشة إلا أنهم يملكون في الوقت ذاته عزة نفس، “ولا يمكن إجبارهم على الخروج بجرة قلم”.
وتحدث الصالحي عن صنفين من الملاك في الواجهة البحرية من حي المحيط، بين مالك أصلي (غير قاطن)، وهذا “لن يفوت الفرصة، إذ سيستفيد من التعويض بالرغم من أنه أقل قيمة من الأرض، لأنه يرى عدم المقدرة على بيع عقاره بوجود السكان داخله”، وبين المستأجر الذي سيفقد منزله هو الآخر، “ليجد نفسه في مواجهة مصير مجهول رغم حصوله على تعويض عن الأرض”.
من جانبه، تحدث مصطفى بكوري وهو أحد السكان المتضررين أيضاً في الحي، عن وجود ملاك مستقرين وقعوا التزامات بالموافقة على البيع، ثم تفاجأوا بمهلة إخلاء لا تتجاوز الأسبوع.
واستنكر بكوري، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، عزم السلطات إخراجهم من مساكنهم، وتزامن هذا الوضع “مع رمضان دون مراعاة لحرمة الشهر أو مصير السكان”، إذ أن القرار اتخذ بين عشية وضحاها، “وتم إبلاغ الملاك بأن عليهم بيع منازلهم بالسعر المحدد، وإلا سيتم اللجوء إلى وسائل أخرى”.
وأشار المتحدث إلى أن غموضاً يلف القرار، قائلاً “كل من نسأله يجيب بأنه ‘جاء من الفوق’، من يقصدون بالفوق؟ نحن نعلم أن جلالة الملك لا يمكن أن يتخذ مثل هذا القرار الذي يضر بمواطنيه”.
ويقول مصطفى بكوري إنه يجري تبليغهم بأنهم سيتم الضغط على أصحاب الملك لتعويض المستأجرين، ويستدرك قائلاً “المالك بدوره لن يكترث إذ يعتقد بأنه لا علاقة له بالمستأجر في الموضوع، خاصة أنه لم يقوم بطرده”.
كما رفض مصطفى تسلم أي إيصال (بون) من الباشا، موضحاً ذلك بالقول “نحن لسنا قاطنين في دور صفيح، بل نعيش في منازل لها تاريخ وهوية”.
وكذلك قال أديب الصالحي الذي أكد أن المنازل التي يهددون بإخلائها عبارة عن رياضات تقليدية راقية، ذات تصاميم ثقافية وتاريخية، مشيراً إلى أن هدمها يُعد “ضياعاً لتراث عمراني تمت تهيئته بعناية فائقة”، بالاعتماد على صناعة تقليدية وتصاميم تعكس هوية عمرها 70 عاماً.
وبحسب مصطفى بكوري، شهدت المنطقة التي يراد هدمها ولادة المئات من الكفاءات التي شغلت مناصب مهمة في الدولة، بمن فيهم وزراء وشخصيات وازنة.
ويناشد السكان المتضررون الملك محمد السادس التدخل في قضيتهم، محذرين من وجود “تلاعبات كبيرة تهدف إلى تهجير سكان المنطقة واستبدالهم بآخرين”.
ويؤكدون على ضرورة تدخل رسمي وعادل يضمن حقوق الجميع، ويحقق توازناً بين المصلحة العامة وحقوق السكان الذين اعتنوا بهذه المنطقة من حي المحيط وساهموا في إشعاعها على مدى عقود.