نهضة بركان وأندية السلطة
انهزمت نهضة بركان أمام الزمالك المصري بهدف لصفر في إطار إياب نهائي كأس الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، وتركت الكأس هناك في الملعب الدولي للقاهرة بعد مباراة عرفت الكثير من الجدل كما هي عادة المباريات الحاسمة التي يستضيفها “الأشقاء” المصريون الخبراء في أساليب ربح الألقاب بكل الطرق باستثناء الرياضية منها، وأيضا بعد علامات الإستفهام حول القرارات التحكيمية المثيرة للإستغراب، وغياب اللجوء إلى الڤار نتيجة الإخراج التلفزيوني الذي بدا أنه كان في يد طاقم من مشجعي نادي الزمالك.
ورغم أن نهضة بركان تقنيا لم يرق آداؤها إلى المستوى المطلوب في هذه المباراة، ولم يعرف المدرب التونسي الشعباني كيف ينتزع اللقب أمام خصم ليس لديه الكثير من مقومات البطل، إلا أنه وجب الإقرار بكل موضوعية أن وصول الفريق البركاني إلى المباراة النهائية لكأس الكونفدرالية الإفريقية للمرة الرابعة في تاريخه، هو إنجاز في حد ذاته بالنسبة لناد صغير لا يراكم إرثا كبيرا على المستوى الوطني، وليس له رصيد تاريخي في الوجود ضمن الأندية الكلاسيكية المغربية المعروفة.
أتذكر مباريات قديمة شاهدتها لنهضة بركان في القسم الثاني خلال زمن “الحمري” والفقر وكأنها “غير البارح”، وأقارن ذلك الفريق بما أشاهده اليوم من تحول إلى نادي يقارع كبار القارة الإفريقية على الألقاب، ويضمن استمرارية الحضور اللافت داخل البطولة الوطنية كفريق تُضرَب له كل الحسابات، ويواصل منذ سنوات حضوره ضمن كوكبة الأندية الأولى في سبورة الترتيب القسم الأول، ورغم أنه لم يفز بلقب البطولة الوطنية وفاز فقط بكأس العرش، إلا أن كل هذا يدفع إلى البحث في أسباب هذا القفزة الكبيرة التي عرفها نادي نهضة بركان في مدة قصيرة.
لا يمكن أن نختلف أن هذه القفزة النوعية التي حققها النادي البركاني كانت بفضل فوزي لقجع، فهو الذي نقله من عهد التراب والخصاص إلى نعيم “الݣازون” والإمكانيات والتعاقدات الوازنة، وكثيرون يعتبرون أن عضو الكاف والفيفا الحالي ساعد فريقه بشتى الوسائل “غير المشروعة” لكي يصبح إسم النهضة البركانية بارزا على الصعيدين الوطني والقاري، ويقارنون قوته الحالية بقوة الكوكب المراكشي على عهد محمد المديوري، ونهضة سطات في عهد البصري، واتحاد سيدي قاسم خلال زمن الدليمي، وباقي “فرق السلطة” التي تنتهي بانتهاء الرجل النافذ الذي كان وراء ألقابها وإنجازاتها.
لكنها مقارنة في اعتقادي “ما راكباش”، ولا يمكن أن نجزم أن نهضة بركان بصدد “سبعيام ديال الباكور” المقترنة بوجود فوزي لقجع في مراكز مقربة من دوائر القرار، وأن كل ما يحققه الفريق البرتقالي خلال السنوات الأخيرة هو فقط ب”الدفيع”، وأنه سينتهي إلى مصير الأندية “السلطوية” البائدة.. لأن الأمر مختلف جذريا في الحالتين، فالمديوري والبصري والدليمي كانوا قبل كرة القدم رجال سلطة ومنحتهم مراكزهم الفرصة كي يشرفوا على أندية مدنهم وينفخون فيها بالمال واللاعبين والتعليمات التي لا تُرد ولا تُرفَض.. فيما فوزي لقجع ترأس فريق مدينته منذ أن كان موظفا عاديا كمفتش في وزارة المالية لا يعرفه غير أقاربه وذويه، وبواسطة كرة القدم وتجربته الناجحة كرئيس لنهضة بركان استطاع أن يصل إلى رئاسة جامعة كرة القدم ويكسب ثقة “موالين الشي” في القيام بأدوار الدبلوماسية الكروية في إفريقيا والعالم.
نهضة بركان بغض النظر على فوزي لقجع وإمكانية وجود “دوپاج” يساعده على تحقيق ما يحققه، فالنادي وضع أساسا متينا لمستقبله الكروي (عكس الأندية التي ذكرنا والتي بنت سطوتها فقط على إسم صاحبها)، وأصبح نموذجيا في تسييره الإحترافي، وفي تدبير إمكانياته المادية واللوجيستيكية، وفي اهتمامه بجانب التكوين حيث يتوفر اليوم على أكاديمية تشتغل فيها أطر مؤهلة، وله برامج واضحة، وأتصور أن الإستمرارية الحالية للنهضة البركانية ستستمر لسنوات طويلة وأن هذا الإسم قد رسخ لنفسه مكانا بين أسماء الأندية المغربية الكبيرة.. وبصفة أبدية.
نهضة بركان بكل الموضوعية اللازمة يجب أن نعترف أنها أصبحت نموذجا مغربيا في التحول الحقيقي إلى الإحتراف وفي الهيكلة المؤسساتية للكثير من الجوانب المرتبطة به.