نظرية “الكار والشيفور”!
بعد وديتي أنغولا وموريتانيا والآداء السيء للفريق الوطني، بدأ السؤال يتقاطر من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق.. هل انتهى وليد الرݣراݣي تقنيا، ولم يعد لديه ما يقدمه؟ آخرون كُثر ذهبوا مباشرة إلى مطالبة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بإقالته فورا وتعيين مدرب آخر قادر على تشكيل منتخب قوي في أفق المشاركة في كأس الأمم الإفريقية بالمغرب العام المقبل.
طبيعي وعادي جدا عندما يقع الخلل في أداء أي فريق كروي، ويكثر ضغط الجمهور، يكون الضحية الاول هو المدرب وطاقمه التقني، بالإقالة والإستعانة بمدرب آخر، بعدها قد تستقيم الأمور وتنتعش النتائج ومعها الآداء، وقد يستمر حال الفشل على ما هو عليه، وهذا ما يقع لمنتخبنا الوطني منذ عقود.
صحيح أن وليد الرݣراݣي ارتكب الكثير من الأخطاء في تدبيره للفريق الوطني بعد إنجاز مونديال قطر، وتسببت بعض اختياراته في حصد هزائم مذلة، لكن بقليل من العقل والمنطق يجب أن نتساءل.. هل وليد تحمل مسؤولية منتخب يفوز بالألقاب والبطولات وفشل هو في ذلك؟
في مسار المنتخب الوطني مدربون عالميون مروا قبل وليد الرݣراݣي، لكنهم جميعا فشلوا في تشكيل منتخب قوي يفوز بأحد الألقاب، رغم أنهم فازوا مع غيرنا بالبطولات و حققوا الإنجازات و بإمكانيات مالية و بشرية أقل بكثير مما نتوفر عليه نحن.. فشلوا نفس فشل وليد في صناعة فريق منسجم ومتجانس يوحد هذا الخليط العجيب للمرجعيات الكروية التي جاء منها لاعبو الفريق الوطني.
فمشكل المنتخب الوطني هو مشكل بنيوي بالأساس ، لأن المتعارف عليه في عالم الكرة هو أن المنتخب الأول للبلاد يكون هو قمة المصعد الذي يصل إليه اللاعبون بعد مرورهم بفئات المنتخبات الوطنية من الفتيان إلى الشبان إلى الأولمبي .. و المفروض أن يتشكل منتخب الكبار من جيل تسلق الدرجات مجتمِعا و أكثر من نصف تشكيلة اللاعبين لعبوا مع بعضهم سنوات طويلة إما داخل الأندية أو المنتخبات الوطنية و يحفظون بعضهم جيدا و تمرسوا على طريقة اللعب نفسها .
فنحن منذ جيل هنري ميشيل افتقدنا في منتخبنا الوطني قاعدة عددية داخل التشكيلة تتوفر على خصائص متشابهة في التكوين و وحدة التنشئة الإجتماعية.. نحن لدينا داخل المنتخب لاعبين ولدوا و تربوا في بلدان مختلفة وفي مرجعيات كروية متباينة.. عندنا القادمون من فرنسا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وبعض الذين ازدادوا و تربوا في المغرب مع الإختلاف الكبير في العقلية و الثقافة و النشأة و ميكانيزمات التكوين في كرة القدم بين هذه البلدان.. و بالتالي يصعب جدا أن تصنع منهم فريقا ينصهر بشكل سلس في منظومة لعب جديدة.
قد يقول قائل لماذا الأندية تستطيع صناعة مجموعة منسجمة رغم أن لديها لاعبين قادمين من مدارس و بلدان مختلفة ؟ الجواب بسيط، المنتخبات ليست هي الأندية.. المنتخبات لديها حيز زمني قصير في التجمعات لا تدوم أكثر من أسبوع خلال كل شهرين أو ثلاثة أشهر ، و هي فترة غير كافية للإشتغال على تحقيق الإنسجام التكتيكي و خلق لغة كروية موحدة تتحدث بها المجموعة و تكتسب بها ملامح البطل في النهائيات .. عكس الأندية التي تشتغل بشكل يومي و على مدار الأسبوع و طوال السنة على ذلك .
حتى قَدرُ المغرب أنه يتوفر على جالية موزعة على كل بقاع أوروبا الشيء الذي نتج عنه أن أبناء المهاجرين في العقود الأخيرة أصبحوا يغزون الأندية الكروية الكبيرة ، مما ساهم في توجيه أنظار مسؤولي كرة القدم الوطنية إليهم و سلوك المنهج السهل في التوفر على اللاعبين الجاهزين تحت ذريعة حقهم في اللعب لمنتخب بلادهم الأصلية، فأهملوا تطوير نظام التكوين المحلي وذهبوا إلى الخيار “الواجد” في أوروبا، حتى أصبحت منتخبات الشبان و الفتيان و الصغار تعيش نفس حالة المنتخب الأول، وهو في حقيقة الأمر سُبّة في بلاد الشغف بكرة القدم وتفريخ المواهب في الأحياء والمدن والقرى.
قد تتم إقالة وليد الرݣراݣي كما أقيل قبله مدربون عالميون آخرون، وقد نستعين بمدرب شهير مقابل راتب شهري بملايين الدراهم كما فعلنا سابقا بدون جدوى، وسنظل ندور في دائرتنا المفرغة إلى أن يفهم مدبرو كرة القدم في المملكة الشريفة أن العطب يوجد في “الكار” وليس في “الشيفور”.