story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

“نداء آسفي” تطالب أخنوش بإعلان المدينة منطقة منكوبة وتفعيل قانون الكوارث الطبيعية

ص ص

أعادت الفيضانات التي شهدتها مدينة آسفي مساء الأحد 14 دجنبر 2025 النقاش حول مسؤولية الدولة في تدبير الكوارث الطبيعية، وحدود السياسات العمومية في حماية الساكنة وجبر أضرارها، حيث أنه خلال أقل من ساعة من التساقطات المطرية الغزيرة المصحوبة بعواصف رعدية، تحولت شوارع وأحياء المدينة إلى سيول جارفة من المياه الموحلة، مخلفة مشاهد صادمة لمدينة غارقة في الفوضى والخسائر.

وفي هذا السياق، نظمت “لجنة نداء آسفي” ندوة صحافية يوم السبت 27 دجنبر 2025 بمقر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، جمعت فاعلين حقوقيين ومحامين، سلطوا خلالها الضوء على خلفيات الترافع الاستراتيجي الرامي إلى إعلان المدينة منطقة منكوبة، وتمكين المتضررين من التعويض، مع التأكيد على أن ما وقع يتجاوز كونه حادثا طبيعيا ليكشف اختلالات بنيوية وإشكالات قانونية عميقة.

وقد أجمع المتدخلون على أن القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية، وُضع أساسا لحماية المتضررين وضمان حقهم في جبر الضرر، غير أن شروط تفعيله تظل، في نظرهم، معقدة وتعجيزية، ما يجعل هذا القانون في كثير من الحالات غير قابل للتنزيل العملي، مشيرين إلى أن ما شهدته آسفي يستجيب لكافة عناصر الكارثة الطبيعية، وهو ما يستدعي تفعيل النصوص بدل تعطيلها، وفتح نقاش عمومي ومؤسساتي حول مراجعة المقتضيات التي تعيق استفادة الضحايا.

كما طالب المتدخلون رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بتحمل مسؤوليته الدستورية والقانونية، عبر الإعلان الرسمي عن مدينة آسفي منطقة منكوبة، بما يتيح تمكين المتضررين من التعويضات المستحقة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، مشددين على أن هذا القرار يشكل مدخلا أساسيا لمعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للكارثة، ورسالة سياسية تؤكد التزام الدولة بحماية مواطنيها وضمان العدالة المجالية بين مختلف مناطق المملكة.

تعبئة أزيد من 200 محامٍ

في هذا الصدد كشف المحامي ورئيس الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب الحبيب بن الشيخ، أن اللجنة، في إطار التقاضي الاستراتيجي، عبأت أزيد من 200 محامٍ ومحامية على الصعيد الوطني، وتقدمت بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط، ترمي إلى استصدار حكم يقضي بإلزام رئيس الحكومة بإعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة، حتى تتمكن الساكنة من الاستفادة من مقتضيات القانون.

وأوضح بن الشيخ خلال مداخلته أن هذا المسار لن يحقق أهدافه دون الضغط وإثارة الرأي العام، سواء العادي أو الحقوقي، مبرزا دور الصحافة والمحامين في تسليط الضوء على هذه الإشكالات، ليس فقط دفاعا عن آسفي في هذه اللحظة، ولكن أيضا تحسبا لأي كوارث طبيعية قد يعرفها المغرب مستقبلا.

ولفت المتحدث إلى أن اللجوء إلى التقاضي الاستراتيجي يختلف عن التقاضي العادي، ولا يمكن أن يحقق أهدافه دون انخراط المحامين وجمعيات المجتمع المدني، خاصة المنظمات الحقوقية، إلى جانب الإعلام، لما له من دور أساسي في إثارة النقاش العمومي.

كما أشار بن الشيخ إلى أن المغرب يتوفر منذ سنوات على القانون رقم 110.14 المتعلق بنظام تعويض عواقب الكوارث الطبيعية، والذي يهدف بالأساس إلى تمكين المتضررين غير المؤمنين من الاستفادة من التعويضات، سواء تعلق الأمر بضحايا فقدوا أرواحهم أو بمواطنين تكبدوا خسائر مادية، معتبرا أن جميع عناصر مفهوم “الكارثة الطبيعية” متوفرة اليوم في حالة مدينة آسفي.

وشدد رئيس الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب على أن المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي بآسفي على دراية بطبيعة تضاريس المدينة وخصوصياتها الجغرافية، ما يجعل شروط تفعيل هذا القانون قائمة، غير أن المشرع ربط الاستفادة منه بقرار لرئيس الحكومة، يتعين اتخاذه داخل أجل شهر من تاريخ وقوع الكارثة، وهو ما اعتبره عائقا جوهريا أمام تفعيل القانون.

وفي هذا السياق، انتقد المحامي طريقة تفعيل صندوق التعويض عن الكوارث الطبيعية، ملاحظا أن الفصل 17 من القانون ينص على تعويض ضحايا الكوارث، في حين أن الفصل الثاني يتيح منح قروض لفائدة مقاولات التأمين وإعادة تأمينها بفوائد، معتبرا أن المستفيد الفعلي من هذا الصندوق إلى حدود اليوم هي شركات التأمين، في وقت لم يسبق، بحسب تعبيره، أن استفاد المواطنون من تعويضات هذا الصندوق في أية كارثة عرفها المغرب.

وخلص بن الشيخ إلى التأكيد على أن اللجنة أخذت على عاتقها مواصلة الترافع، بدعم من الإعلاميين، من أجل إيصال هذه الاختلالات إلى الرأي العام، والضغط على المسؤولين لتحمل مسؤولياتهم القانونية والمؤسساتية تجاه المتضررين.

المسؤولية القانونية لرئيس الحكومة

من جهته اعتبر المحامي ورئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان نوفل البعمري أن حجم الخسائر البشرية والمادية يضع الحكومة ورئاسة الحكومة أمام مسؤولية قانونية مباشرة، تفرض تفعيل مقتضيات القانون 110.14، من أجل إعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة، مشددا على أن هذا المطلب لا يشكل “وصمة” في حق البلاد أو المدينة، و إنما يمثل المدخل القانوني الضروري لتحمل الدولة لمسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية تجاه الساكنة.

وأشار رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى أن إعلان المدينة منطقة منكوبة يفتح الباب أمام التعويض، الذي ينبغي أن يتم على مستويين: تعويض فردي يهم جبر الضرر المباشر للمتضررين وأسر الضحايا، وتعويض جماعي يرتبط بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي للمدينة، بما يستدعي تدخلا عاجلا ومستعجلا من طرف الحكومة.

وفي هذا السياق، أثار المتحدث إشكالية العدالة المجالية، معتبرا أن ما حدث في آسفي يعكس واقع “مغرب يسير بسرعتين”، حيث ما تزال بعض المناطق تعيش على هامش السياسات العمومية، وتعاني ضعفا بنيويا في البنية التحتية، رغم أن الفيضانات وقعت عقب تساقطات وصفها بالمحدودة، وهو ما يطرح تساؤلات حول فعالية الاختيارات التنموية المحلية.

وفي غضون ذلك، ثمن البعمري بلاغ النيابة العامة القاضي بفتح تحقيق حول ما جرى، واعتبره خطوة إيجابية نحو تحديد المسؤوليات، داعيا إلى الإعلان عن نتائج التحقيق وترتيب الآثار القانونية اللازمة، في حال ثبوت أي تقصير أو مسؤولية، بما يضمن طمأنة الرأي العام وتحقيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وخلص المتدخل إلى التأكيد على أن الترافع الحالي يهدف أيضا إلى فتح نقاش عمومي وقانوني حول القانون المنظم لإعلان المناطق المنكوبة، معتبرا أن بعض مقتضياته، خاصة تلك المتعلقة بالشروط الزمنية المنصوص عليها في المادتين الخامسة والسادسة، تظل تعجيزية وغير قابلة للتنفيذ في ظل التحولات المناخية التي يعرفها المغرب، وهو ما يستدعي مراجعة هذا الإطار القانوني ليصبح أكثر واقعية ونجاعة في حماية المتضررين.

“كارثة بكل المقاييس”

خلال مداخلته أكد رئيس اتحاد المحامين الشباب بآسفي ياسين بوعشة، أن ما عرفته المدينة لم يكن حدثا طبيعيا معزولا، ولكن كشف عن اختلالات بنيوية عميقة على مستوى البنية التحتية، مشيرا إلى أن ارتفاع منسوب السيول إلى ما يقارب أربعة أمتار أغرق المنازل والمحلات بشكل غير مسبوق.

وشدد المتحدث على أن مدينة آسفي، رغم ما تزخر به من مؤهلات سياحية وثروات سمكية وصناعات كيميائية ومركب للطاقة الحرارية وصناعة تقليدية عريقة كالفخار، لم تنل نصيبها من التأهيل والاستثمار، معتبرا أن التهميش المزمن جعلها “مدينة ماضيها أفضل من حاضرها”، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية للنهوض بأوضاعها.

واعتبر بوعشة أن ما وقع في آسفي “كارثة بكل المقاييس”، مؤكدا أن الهدف من الترافع الاستراتيجي هو تحميل الحكومة مسؤوليتها الدستورية والقانونية تجاه الساكنة، عبر الاعتراف بالمدينة كمنطقة منكوبة، بما يترتب عن ذلك من حقوق في التعويض وجبر الضرر.

وختم رئيس اتحاد المحامين الشباب بآسفي بالتأكيد على أن اللجوء إلى التقاضي الاستراتيجي لا يراهن فقط على الأحكام القضائية، بقدر ما يسعى إلى تعرية مكامن الخلل ودفع المشرع إلى مراجعة الإطار القانوني وتغيير السياسات العمومية المعتمدة تجاه المدينة، بما يضمن بنية تحتية قادرة على حماية الساكنة وصون كرامتها.