مواقع التواصل تُسَير الأندية !
في كتابه “كرة القدم.. ديانة تبحث عن إلاه” يقول الكاتب الإسباني فاسكيز مونتالبان عن علاقة المشجعين بأنديتهم، وعن تأثيرهم في قرارات إداراتها: “أندية كرة القدم لا يمكن أن تُدار من قِبل المشجعين”. في إشارة إلى أن رأي الجمهور تحكمه الكثير من العواطف والمثالية، وتغيب عنه إكراهات التدبير اليومي لشؤون النادي من النواحي الإدارية والتقنية والمالية، لذلك لا يمكن الإنصات كثيرا لما يطالب به، أو الوقوع تحت ضغوطاته.
ربما ما كتبه في نهاية القرن الماضي، لم يكن يتوقع خلاله أن ذلك التأثير الذي كان محصورا في مدرجات الملعب مرة واحدة في الأسبوع أو مرتين على أكثر تقدير، سينتقل إلى فضاءات أخرى أكثر رحابة بعد ظهور وسائل التواصل الإجتماعي، وستصبح إمكانية التأثير بشكل أقوى على مدار أيام الأسبوع واليوم والساعة، وهو الذي لم يكن حينها قد شاهد بعد أندية كرة القدم هذه الأيام، ولم ير بالطبع الجيل الحالي من المشجعين، ولا كيفية تماهي وسائل الإعلام المتخصصة في الرياضة مع أهوائهم استجابة للمنطق التجاري الذي يبحث عن رفع نسبة المشاهدة بأية طريقة.
في السابق كانت الإمكانية الوحيدة التي يُبَلغُ الجمهور من خلالها موقفه إلى مسؤولي ناديه، كانت هي مدرجات الملعب يوم المباراة، باللافتات أو الشعارات أو صافرات الإستهجان، أو طرق مبتكرة للمطالبة برحيل المكتب المسير أو المدرب، مثل الجمهور الإسباني الذي كان يلوح بالمناديل البيضاء بعد نهاية المباراة.
اليوم مع فايسبوك وإيكس وأنستغرام وتيكتوك ويوتوب وواتساب، قد تنقلب أوضاع ناد ما رأسا على عقب خلال ساعات فقط، وقد يقع مسؤول كروي ما، تحت ضغط رهيب لمجموعات المشجعين والمحبين على وسائل التواصل الإجتماعي الذين أصبح لديهم سلاح فعال للتعبئة وحشد المتفقين لمطالبة هذا الرئيس أو ذاك كي يضع لقبا نصب عينيه، وجلب المدرب واللاعبين القادرين على ذلك، مع الإشارة إلى أسماء بالتحديد، فيحدث في الغالب أن صاحبنا الرئيس يكون “بوذينة” فيتماهى مع مطالبهم ويبدأ في الحديث عن ذلك اللقب كواحد من أهداف المشروع الذي جاء من أجله، رغم أنه يعرف أن ميزانية النادي متأزمة ومهددة ب”السيزي”.
والأفدح الذي يقع بعد ذلك، هو أن هذه الرغبة في الظهور بمظهر المسير الكاريزمي الذي يحقق ما عجز عنه سابقوه، والسعي إلى إرضاء الجمهور، يدفعه إلى صرف كل يملك النادي في التعاقدات التي يطالب بها الجمهور، وبمبالغ تتجاوز سقف المعقول، فلا يمر عليه سوى نصف الموسم، حتى يجد سفينة النادي على وشك الغرق والمشاكل المالية وخواء الصندوق تتهاطل عليه من كل حذب وصوب، فتتعالى نفس الأصوات التي طالبته بالألقاب في وسائل التواصل الإجتماعي، لتطالبه هذه المرة بالإستقالة، فيخرج “بوذينة” من النافذة، ليأتي مسؤول آخر ويبدأ نفس الأسطوانة، ودائما تنتهي الحكاية في النهاية ب”لا ديدي لا حب الملوك”، أي لا لقب ولا أوضاع مالية مستقرة، ولا مشروع رياضي يتماشى مع إمكانيات النادي.
المسير الرياضي الناجح اليوم هو الذي يعرف تدبير شؤون مهمته بعيدا عن تأثيرات الجمهور وعواطفه و”هباله” أيضا.