story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

مهرجانُ المتذوقة.. المرأة بين النكهة والحقوق

ص ص

في قلب الصحراء، حيث تُغني الريح قصص الماجدات، وتنتقل الرمال بذاكرة الأجيال في تاريخ المرأة الصحراوية، يُقام مهرجانٌ يُدعى “مهرجان المرأة لتذوق المأكولات الصحراوية”؛ عنوانٌ يبدو كأنه استحضارٌ للتراث، لكنه في الحقيقة يُخفي وراءه إهانةً تُلطّخ كرامة المرأة، وتُعيد إنتاج صورةٍ نمطيةٍ تُحاصرها في زمنٍ لم تعد تعيشه في عالم ما بعد الحداثة.

الدستور المغربي، الذي يُعلن صراحةً أن “الرجل والمرأة متساويان في الحقوق”، يبدو كأنه مجرد حبر على ورق عندما نرى مثل هذه الفعاليات، والاتفاقيات الدولية، التي وقّع عليها أو انضمّ إليها المغرب، مثل اتفاقية “سيداو”، تتحول إلى كلماتٍ عابرةٍ في هكذا مهرجانات؛ خصوصًا عندما تُختزل المرأة في دور “المتذوقة”، وكأنها مجرد ظلٍّ يُزيّن طاولة الطعام، بينما هي في الواقع شمسٌ تُضيء كل جوانب الحياة، قد لا تكون شمسًا، قد تكون جدتي رحمها الله الآمرة الناهية في البيت، ومعدة الطعام، ومستقبلة الضيوف بكرم حاتمي، يقدم صورة راقية لبيت جدي، حين يقال “بيت صاحبته كريمة”..

ولأنه من الطبيعي أن تكون المرأة كريمة بالمعنيين، فإن هذا المهرجان، الذي يُنظم بأموال دافعي الضرائب، ليس سوى محاولةٍ يائسةٍ لتلميع صورةٍ باهتة للقطط السمان؛ المنقضّين على الريع، والناهبين لأموال الشعب المُفَقر، بينما تُدفن تحت الرمال أحلام آلاف النساء وحقوقهن..

إنه فلم رديء، قدم له سيناريو يُشبه من يُزيّن قفصًا بزهورٍ جميلةٍ، بينما يُصرّ على إبقاء العصفور داخله، فالمرأة الصحراوية ليست بحاجة إلى زينةٍ تُجمّل صورتها، بل هي بحاجة إلى فضاءٍ تُحلّق فيه بحرية، بعيدًا عن محاولة تسليعها في هذا النوع، أو وضعها داخل مهانة وقفص “التشيؤ” بالقيود التي تُحاول اختصارها صوريًا في مثل هذه الفعاليات..

لننظر إلى المرأة الصحراوية بعينٍ تُقدّر إنسانيتها؛ فهي الأم التي تُربّي الأجيال بحنانٍ وصبر حتى وإن كان قفرًا خاليًا من أي معدن؛ فهي العاملة التي ستُسهم في بناء الاقتصاد بعرق جبينها، هي المثقفة الحاضرة في كل وظيفة عبر العالم، وهي الطبيبة التي تُنقذ الأرواح ومستشفيات الصحراء والمغرب وإسبانيا تشهد بذلك، والمهندسة التي تُشيّد الحضارة وللدول آياتٌ في ذلك، والمعلمة التي تُنير العقول عبر العالم لمن يريد أن يهتدي…

فكيف نرضى من واحدة لم تكمل تعليمها أن تحصر نساءنا في إطارٍ ضيقٍ، في فعل حقير لا معنى له، يشبه فعل التشمم عند الكلاب، كأنها مجرد كائنٍ يُمكن اختزاله في دور “المتذوقة”؟

هذا المهرجان، بكل ما يحمله من تناقضات، هو درج طويل مبني بطوب الجهل الممنهج؛ يذكرنا بأن الطريق إلى المساواة ما زال طويلًا حد التيه، أما التمكين المفترض والمفترى عليه فهو احتمال سابع في النرد..

بهذا النوع من مهرجانات المال الحرام، نحن لا نسيء للمرأة بل نخرق القوانين والدساتير، رغم أنها أقرت في ديباجتها، فصولها وروحها، بأهمية تمكين المرأة، ولكننا في الواقع نُمارس أشكالًا من التمييز تُقلل من شأنها، بل تحتقره… إنه تناقضٌ يُشبه من يُشيد بقوة المرأة في النهار، ثم يُحاصرها في الليل بأغلال التقاليد البالية… كما يشبه من يبني قصرًا من الرمل بكل زينة وزهو جنب الشاطئ، ثم يحمل إليها مياه البحر ليهدمها!

نعود إلى هذا المهرجان، ففي النهاية هو ليس سوى مرآةٍ تعكس عقليةً مجتمعيةً ما زالت تتصارع بين بداوة الماضي ومدنية الحاضر، رغم أن البداوة في الصحراء كانت أكثر تقدمية!… ولكن “يتيه في الألواح من ألف العراء”..
فهل نستيقظ من هذا الكابوس، أم سنستمر في إقامة الفعاليات التي تُكرس الصور النمطية باستحلاب أموال عمومية؛ بدلًا من تحطيمها؟..

المرأة الصحراوية تستحق أكثر من مجرد “مهرجان تذوق”، فهي تستحق أن تكون شريكةً كاملةً في بناء مستقبلٍ تُحترم فيه كرامتها، وتُقدّر فيه إنسانيتها..