من شمال المغرب إلى يسار فرنسا.. ميلونشون الذي “أنقذ” البلاد من اليمين المتطرف
بعد انتخابات لم يكن أحد قادرا على تكهن مآلاتها في فرنسا، بدا جون لوك ميلونشون منتشيا على المنصة وهو يحتفي بفوز اليسار الذي استبعدته كل التوقعات واستطلاعات الرأي التي أجريت على مدى الأسابيع الماضية، والتي كانت تقول “إن اليمين المتطرف قادم لا محالة”.
ميلونشون زعيم فرنسا الأبية التي هي أهم مكون في جبهة اليسار، والتي قلبت في أسابيع موازين الاقتراع بفرنسا، رأى نور الحياة في المغرب بمدينة طنجة، ليصبح فيما بعد أبرز الوجوه اليسارية الفرنسية بعدما خطفته السياسة وجذبته أفكار ليون تروتسكي، وصولا للاقتداء بالفنزويلي، هوغو شافيز، وإلى الإشادة بفلاديمير بوتين مرورا بالانخراط الملتزم مع فرنسوا ميتران إلى “فرنسا الأبية”.
من شمال المغرب إلى يسار فرنسا
ولد ميلونشون عام 1951 في مدينة طنجة المغربية من أبوين يحملان أصولا إسبانية، والده كان موظف بريد، فيما أمه كانت مدرّسة، وقد ترعرعا في مدينة وهران الجزائرية عندما كانت مستعمرة فرنسية، وانتقلا منها فيما بعد إلى المغرب.
تلقى جان لوك تعليمه في مدارس وجامعات فرنسية بعد أن انتقل صغيرا غلى هناك رفقة والدته، فحصل على إجازتين في العلوم الإنسانية والآداب الحديثة. تنقل بين التعليم وممارسة العمل الصحافي مبكراً. وانتمى منذ بداية انخراطه في العمل السياسي إلى التنظيمات اليسارية.
وانضم في سبعينات القرن الماضي إلى الحزب الاشتراكي بعد أن أمسك ناصيته الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران. وسريعاً جداً، برز اسم ميلونشون داخل صفوف الحزب، فانتقل إلى المنطقة الباريسية حيث انتخب في العام 1976 عضواً عن الحزب الاشتراكي في بلدية مدينة “ماسي” التي تقع جنوب باريس، ولاحقاً عضوا للمجلس المحلي لإقليم أيسون.
وفي العام 2002، وبعد أن نجح في تكوين رأسمال سياسي داخل الحزب الاشتراكي، عّين وزيراً مفوضاً للتعليم المهني. وشكّل هذا المنصب تجربته الحكومية الوحيدة. وفي المقابل، انتُخب نائباً أوروبياً ولاحقاً عضواً في مجلس الشيوخ.
وبالرغم من انتمائه الأكبر للاشتراكيين، إلا أنه كان لميلونشون انتماء أصغر في خضم ذلك، إذ كان ضمن الجناح الأكثر تشددا. وبعد وصول فرنسوا هولند، المرشح الاشتراكي إلى رئاسة الجمهورية في العام 2012، كان ميلونشون من أشد النواب انتقاداً لأدائه.
هذا التشدد قاده لاحقا إلى الانضمام إلى مجموعة النواب “المتمردين”. وكانت نهاية “التمرد” أن انشق عن هذا الحزب تأسيسه لحزب “فرنسا الأبية” الذي ما يزال يقوده.
الحالم بفرنسا “ثائرة”
ويعترف الجميع بأن ميلونشون خطيب “مفوّه، قوي الشخصية والحجة”، لكن البعض يراه “شعبويا ومتهورا” وهو الموقف الذي كان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند قد عبر عنه بحديث لمجلة “لو بوان” الذي أشار إلى “مخاطر التبسيط والمغالطات وما تؤدي إليه من انبهار بالخطابة بدل التركيز على المحتوى”.
ويحمل ميلونشون مواقف ومقترحات “جامحة” بشأن المهاجرين والضرائب والإنفاق وتعليقاته عن الصراع الطبقي إضافة إلى مواقف مثيرة للجدل إزاء السياسة الخارجية خاصة المواقف التي عبرها بشأن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ ما يقارب العام.
وفي تفاصيل مواقف الرجل كان برنامجه الانتخابي لسنة لرئاسيات 2017 يتمحور حول عدة قضايا داخلية وخارجية، فهو يدعو لإطلاق الجمهورية السادسة، وزيادة الحد اﻷدنى للأجور بنسبة 16بالمئة، وخفض ساعات العمل الأسبوعية وسن التقاعد.
كما يدعو ميلانشون لوقف تسريح الموظفين من العمل، ورفع سقف الضريبة على المداخيل إلى 90 بالمئة، ورفع سقف الإنفاق الحكومي بنحو 173 مليار يورو (نحو 184 مليار دولار) على مدى خمس سنوات.
ولا يتبنى ميلانشون خطابا معاديا للمهاجرين، بل يدعو إلى إدماجهم، وأكد في مناظرة تلفزيونية يوم 20 مارس 2017 أنه “يجب معاملة المهاجرين مثل ما نحب أن يعاملوننا عندما نذهب إليهم” وأكد أيضا أهمية تسوية أوضاع من لا يحملون وثائق إقامة في فرنسا.
وعلى المستوى الخارجي، يدعو ميلانشون إلى الخروج من حلف شمال الأطلسي (ناتو) وسحب فرنسا من معاهدات الاتحاد الأوروبي إذا لم تتحقق بعض الشروط، إذ يقول “أوروبا إما أن نغيرها وإما أن نغادرها” إضافة إلى مطالبته بالتخلي عن الطاقة النووية.
حزب فرنسي يناصر غزة
وكان حزب “فرنسا الأبية” من أوائل الفعاليات الأوروبية التي أبدت مساندتها للجانب الفلسطيني في وقت يتهافت فيه الجميع على دعم الاحتلال الإسرائيلي.
واتهمت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن الحزب بمعاداة السامية ونددت بالغموض الذي قالت إنه اكتنف موقفه. وقالت وقتها رئيسة الوزراء الفرنسية “إن معاداة الصهيونية في حزب فرنسا الأبية تُعدُّ وسيلة أيضا لإخفاء معاداة السامية في الحزب”.
وكان الحزب قد حمّل سياسات إسرائيل المسؤولية عن عملية “طوفان الأقصى” عندما قال إن “الهجوم المسلّح لقوات فلسطينية بقيادة حماس يأتي في سياق تكثيف سياسة الاحتلال الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية”.
كما قال زعيم الحزب، جان لوك ميلانشون -في تغريدة على موقع إكس- إن “كل أعمال العنف التي أُطلق لها العنان ضد إسرائيل وفي غزة تثبت أمرا واحدا فقط، وهو أن العنف لا ينتج ولا يعيد سوى إنتاج نفسه”. ودعا ميلانشون لوقف إطلاق النار، وطالب فرنسا بالعمل على ذلك بكل قوتها السياسية والدبلوماسية.