ملاعب ب”غْسيل الفْنْدَق”!
في ظرف أسبوع بلغت مداخيل ملعب سانتياغو برنابيو بالعاصمة الإسبانية مدريد حوالي 25 مليون أورو، ذهبت منها 18 مليون أورو صافية إلى خزينة نادي الريال مالك الملعب الذي تحول في ظرف سنوات قليلة إلى تحفة تسر الناظرين بعد ورش ضخم لإعادة هيكلته على طراز عصري أنيق.
المداخيل المذكورة لم تأت من إحدى مباريات النادي الملكي التي يحتضنها الملعب الأسطوري عادة، بل من خلال حفلين موسيقيين كبيرين أحيتهما المغنية الأمريكية تايلور سويفت وبلغ الحضور فيهما معا أكثر من 120 ألف متفرج، وكانت أثمنة التذاكر فيهما تتراوح ما بين 500 و800 أورو، ونفذت في ساعات قليلة بعد طرحها للبيع عبر الإنترنيت.
المَشاهد من الحفلين الغنائيين من قلب ملعب سانتياغو كانت مبهرة جدا، وقد بدا مختلفا تماما عن المعهود عندما نشاهد فيه مباريات كرة القدم.. لقد أصبح قابلا لأن يتحول إلى قاعة مغطاة كبيرة يتم فيها إخفاء عشب الميدان في عمق 30 مترا تحت سطح الأرض وتعويضه بأرضية خشبية تسمح بوقوف المئات من المتفرجين أمام المنصة العملاقة، أو وضع عشرات طاولات الأكل في الحفلات الراقية الباهضة التكلفة، مع تقنيات إضاءة وصوت وتكييف من آخر ما استجد من التقنيات التكنولوجية.
نادي ريال مدريد ورئيسه الداهية فلورينتينو بيريز عندما قرر إخضاع ملعب سانتياغو بيرنابيو لإعادة الهيكلة بميزانية فلكية، كان يفكر في تحويله إلى مكان أكبر من ملعب كرة قدم يأتيه المتفرجون ساعتين كل أسبوع.. بل فكر في استثمار رمزية النادي الملكي وشهرة ملعبه وموقعه في قلب العاصمة مدريد لكي يحوله إلى دجاجة تبيض ذهبا، وإلى صنبور إضافي للأموال من خلال كرائه لأنشطة مختلفة بعيدة عن كرة القدم، حتى أن الكثير من المصادر الإعلامية الإسبانية اليوم أصبحت تتحدث عن أن الكثير من التواريخ خلال النصف الثاني من هذه السنة والسنة المقبلة أصبحت محجوزة في “البيرنابيو” من طرف جهات فنية وثقافية واقتصادية ومن طرف أشخاص أثرياء لإقامة حفلات خاصة داخله تقام ب “غسيل الفندق” وكل ذلك يذهب إلى خزينة نادي ريال مدريد.
هو توجه استثماري ذكي أصبح يسلكه جل من يفكر في بناء الملاعب اليوم، وهو وضع الهندسة المناسبة بشكل قبلي لكي تصبح هذه الملاعب فضاء لإقامة أنشطة أخرى غير مباريات كرة القدم، وتتحول إلى مصدر مذر للربح، عوض أن تكون عبئا ماليا على مشيديها بنفقات التدبير والصيانة المكلفة.
في المغرب تعتزم الوزارة الوصية بناء “أضخم ملعب في العالم” بضواحي مدينة بنسليمان، في إطار الإستعداد لاحتضان نهائيات مونديال 2030 بمعية إسبانيا والبرتغال، بعدما خصصت ميزانية كبيرة جدا من المال العمومي لفائدة المشروع.. السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو، هل فكر مسؤولونا من الآن في مصير هذه المنشأة العملاقة بعد الإنتهاء من تشييدها ومن احتضانها لبضعة مباريات كأس العالم؟ وكيف ستتم تغطية مصاريف صيانتها الباهضة؟ وهل هناك مخطط قبل بداية عملية البناء في إمكانية احتضانه لأنشطة اقتصادية غير مداخيل مباريات كرة القدم؟ أم أن ملعب الدار البيضاء الكبير سيلتحق بعد المونديال بملاعب “سونارجيس” التي يعوق فيها الغربان طوال الأسبوع؟
ما وقع لدولة جنوب إفريقيا التي “وحلات” بملاعبها المشيدة بمناسبة احتضانها لكأس العالم 2010، وكيف عجزت عن صيانتها بعد أن تفرقت “جوقة” المنتخبات وجماهيرها، وأهملتها حتى تحول بعضها إلى أطلال كأنها بنيت منذ عشرات السنين، يجب أن يكون عبرة لكل من يسابق الزمن لبناء الملاعب ومراكمة الإسمنت المسلح دون التفكير في كيفية تحويلها إلى استثمار مربح يعفي المال العمومي من تكاليف صيانتها، وأيضا يخلق المئات من مناصب الشغل وتنفع مداخيلها البلاد والعباد.