مفكرون يناقشون فكر المثقف الفلسطيني إدوارد سعيد في زمن التحولات العالمية

شدد عدد من المفكرين والنقاد على أهمية العودة إلى فكر المثقف الفلسطيني إدوارد سعيد، باعتباره من أبرز المفكرين الذين أسسوا لرؤية نقدية شاملة لفهم العلاقة بين الثقافة والسلطة، والتعرف على نظرته تجاه الاستشراق، وفضح آليات الهيمنة الاستعمارية، سواء في تمثلاتها الخطابية أو في تجلياتها السياسية.
ويرى المختصون أن “إعادة قراءة إسهامات سعيد باتت ضرورة ملحّة في سياق تزداد فيه التحديات المرتبطة بالهوية، والعدالة، وحقوق الشعوب المستعمَرة كالشعب الفلسطيني، فضلًا عن التحولات التي يعرفها حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية، الذي ساهم سعيد في تأسيسه وتأطيره نظريًا ومنهجيًا”.
وفي السياق، أكد أنور مرتجي، الأستاذ الجامعي، ومؤلف كتاب حول خطاب ما بعد الكولونيالية عند إدوارد سعيد، على الحاجة الملحة إلى إعادة قراءة واستعادة فكر إدوارد سعيد، نظرًا لما قدّمه من إسهامات فكرية عميقة أثرت في الساحة الفكرية العالمية، وأسهمت بشكل خاص في تطوير النظرية الأدبية والنقد ما بعد الكولونيالي، إلى جانب مساهمات أخرى جعلت من سعيد أحد أبرز مفكري القرن العشرين.
وأبرز الأستاذ الجامعي، في ندوة تحت عنوان “في الحاجة إلى إدوارد سعيد” نظمت الثلاثاء 22 أبريل 2025، عضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، أن المفكر الفلسطيني المولد، الأمريكي النشأة، لم يكن فقط ناقدًا أدبيًا عالميًا، بل كان أيضًا “صوتًا ملتزمًا بقضايا الشعوب المستعمَرة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي شكّلت محورًا أساسيًا في مساره الفكري والنضالي”.
وأشار مرتجي إلى أن سعيد، من خلال كتاباته وتحليلاته العميقة، قدم فهمًا نقديًا جذريًا للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وأسس لمقاربة تجمع بين الالتزام السياسي والرؤية الأكاديمية، ما جعله مرجعًا لا غنى عنه في الدراسات الفلسطينية.
ولفت المتحدث إلى أن سعيد اشتهر بموقفه الرافض لاتفاقية أوسلو، حيث اعتبرها فشلًا ذريعًا في تحقيق تطلعات الفلسطينيين نحو الاستقلال الحقيقي، بل وصفها بأنها “تنازل سياسي خطير ساهم في تقويض أسس الحل العادل للقضية، وهو موقف ظل صامدًا عليه حتى وفاته، ما يجسّد عمق التزامه المبدئي بالقضية الوطنية الفلسطينية”.
من جانبه، شدد الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي على أن إدوارد سعيد يُعد أحد أبرز رواد نقد الاستشراق، حيث قام بتفكيك بنيته المعرفية والإيديولوجية، كاشفًا عن ارتباطه العميق بخطابات الهيمنة والاستعمار.
وأكد حديدي على التزام سعيد الثابت بالقضية الفلسطينية، إذ كرّس جزءًا كبيرًا من مشروعه الفكري للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ومناهضة الصهيونية، مع الدعوة إلى نقد الذات الفلسطيني أيضًا.
وأشار إلى أن سعيد يعد من الأسماء المؤسسة لحقل دراسات ما بعد الكولونيالية، حيث أسّس منهجًا نقديًا جديدًا أصبح مدرسة فكرية قائمة بذاتها، لها تأثير واسع النطاق في الجامعات ومراكز الأبحاث عالميًا، مبرزا أن عددا من تلامذته البارزين ساهموا في تطوير هذا المنهج وتوسيعه ضمن سياقات فكرية متعددة، ما يجعل من فكر سعيد حيًا ومتجددًا رغم غيابه الجسدي.
و”لم يكن سعيد مترددًا في إعلان مواقفه الجريئة”، حسب حديدي، إذ انتقد اتفاقية أوسلو، ووجه انتقادات شديدة لـ ياسر عرفات، مشبهًا إياه بـ”الجنرال الفرنسي فيليب بيتان الذي تعاون مع النازية ضد بلاده”.
وأتت هذه الندوة في ظل الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية في السنتين الأخيرتين، حيث ظهرت مقالات عديدة في الصحافة العربية والعالمية تستعيد ذكرى إدوارد سعيد الأكاديمي والمثقف الفلسطيني الأمريكي الكبير، وتطالب بإعادة قراءته.