story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

مدونة الأسرة.. رفض فحص الحمض النووي لإثبات النسب يثير مواقف متباينة

ص ص


خلفت خطوة رفض المجلس العلمي الأعلى مقترح، استخدام الخبرة الجينية للحوق النسب، أي إثبات نسب الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج، اختلافا في وجهات النظر، بين من اعتبر أن القرار “يعكس تشبثا بمبادئ الشريعة الإسلامية وإطار الزواج الشرعي كأساس لضمان النسب”، وبين من رأى في القرار “تجاهلا للتطورات العلمية الحديثة والفعالة”، وتشبثا بما وصفوه “بالنهج قديم”.

وتعليقا على الموضوع أكد مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي لجهة الشرق، أن النقاش حول النسب يجب أن ينطلق من العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، مشيرًا إلى أن “هذه العلاقة إذا خرجت عن إطار عقد زواج شرعي، فهي سفاح، ولا يمكننا هنا الحديث عن النسب.

أكثر من علاقة بيولوجية

وأوضح بن حمزة في تصريح لـصحيفة “صوت المغرب”، أن اعتماد فحص الحمض النووي (ADN) في إثبات النسب يُعنى فقط بإثبات العلاقة البيولوجية، لكنه لا يدل بالضرورة على أن هذه العلاقة نشأت ضمن عقد شرعي يثبت النسب، مضيفا أن “النسب الشرعي يبنى على إطار الزواج الذي وصفه الله تعالى بأنه ميثاق غليظ، يُنشئ العلاقة الأسرية ويضبطها بشروط وأحكام واضحة، فيما العلاقات الأخرى تبقى مجرد ارتباطات بيولوجية تفتقر إلى الشرعية”.

وأشار بن حمزة إلى أن الزواج ليس مجرد علاقة عابرة أو لقاء جنسي دون التزام، بل هو إطار شرعي يتجاوز التوالد البيولوجي ليؤسس للعائلة ويحفظ استمراريتها، متابعا أنه “في حالات عدم وجود عقد شرعي، لا يمكن أن نتحدث عن نسب، وما نشهده الآن في بعض المجتمعات الغربية، من غياب الأنساب بسبب انتشار العلاقات غير الشرعية، يوضح أهمية الزواج كإطار أساسي لضبط العلاقة الأسرية”.

وشدد المتحدث ذاته، على أن النسب لا يُثبت فقط من خلال العلاقة الجسدية، بل يرتبط بإطار شرعي يمنح الأب يقينًا بنسب أبنائه، قائلا “الأب الذي يتأكد من نسب أبنائه يتحمل مسؤولياته كاملة تجاههم، ينفق عليهم ويضحي من أجلهم، لأنه يرى فيهم امتدادًا لحياته، أما في حال ظهور الشكوك، فإن الأب قد يتخلى عن الطفل ولا يتحمل مسؤوليته”.

تأثير الجهات التقليدية

من جانبه، اعتبر الباحث في الفكر الإسلامي والجماعات الدينية، إدريس الكنبوري، أن اعتماد تحليل الحمض النووي (ADN) في مجال الجرائم وعدم اعتماده في إثبات النسب، يثير التساؤل عن سبب رفضه في قضايا إثبات النسب، مشيرا إلى أن “هذا التناقض يعكس تأثير بعض الجهات التقليدية التي لا تزال تتشبث بنهج قديم، متجاهلة التطورات العلمية العصرية التي تعتبر أكثر دقة ونجاعة.

وقال الكنبوري في تصريح لصحفة “صوت المغرب”، إنه “إذا كان المجلس أو الجهات الرافضة لهذا التطور متشبثة بمناهج تقليدية، فإن هذا يشير إلى تخلف في مواكبة العلوم الحديثة”، مبرزا أنه “من غير المنطقي أن يتم اعتماد فحص الحمض النووي كدليل قاطع في القضايا الجنائية، وفي نفس الوقت يتم رفضه في إثبات النسب رغم كونه يوفر نتائج دقيقة وشبه يقينية.

وأوضح المفكر المغربي، أنه “إذا كانت هذه الجهات قد وافقت على إدخال تغييرات أخرى تم المطالبة بها من طرف بعض التيارات العلمانية، رغم أنها لا تساير الفقه المالكي أو الشريعة الإسلامية، فإن هذا يعكس تناقضًا واضحًا”، مضيفا أنه “لا يمكن رفض وسيلة علمية دقيقة بحجة التمسك بالمنهج التقليدي، وفي نفس الوقت قبول أفكار أو تغييرات ذات طابع أيديولوجي”.

وخلص المتحدث ذاته، إلى أن استخدام وسيلة علمية ناجعة لإثبات النسب أو غيره لا يتعارض مع الشريعة، مبرزا أن “الفقهاء قد حسموا منذ عقود في جواز اللجوء إلى الوسائل العلمية الحديثة إذا كانت توفر الحسم والدقة”، ومن هذا المنطلق فإن رفض اعتماد الحمض النووي في قضايا النسب “يبدو تناقضًا يعيق تحقيق العدالة، خاصة وأن الإسلام يدعو دائمًا إلى الأخذ بالعلم والتطور في تحقيق الحق”.

اجتهادات من داخل الإسلاميين

وتفاعلا مع هذا الموضوع، اتخذ الوزير والقيادي السابق في حزب العدالة والتنمية المصطفى الرميد موقفا مخالفا بشكل صريح وواضح لكل ما ذهب إليه الإسلاميون في قضية إثبات نسب الأطفال خارج إطار الزواج، وطالب بحق هؤلاء الأطفال في النسب، لأن الطفل حسب قوله “لا يحتاج فقط إلى المأكل والمشرب ولكن كذلك إلى النسب”.

وكان الرميد قد قال في مداخلة له خلال ندوة شهر فبراير الماضي، إن موضوع النسب موضوع دقيق، وعلى الرغم من كل ما قيل فيه من المذاهب، فإن “ما نعيشه اليوم من فتوحات علمية فتح أعيننا على ما يمكن أن يجعلنا ننظر إلى هذا الموضوع نظرة جديدة”.

وتساءل الرميد “مادامت علاقة غير شرعية لماذا ينسب الإبن لأمه، لأنه متأكد أنه تنسل من رحمها”، مضيفا أن “النسب يثبت بالشك ولا ينفى إلا باليقين، وإذا جاء شخص وقال إن هذا ابني ولم تكن هناك علاقة زوجية يعني الإقرار.

وحسب الرميد، فإن الشريعة ولمجرد الشك تقوم بالحاق النسب، في حين أنه اليوم هناك تحاليل الحمض النووي التي تتيح إمكانية التحقق، وهي أكثر يقينية من الإقرار الذي هو فقط ظن من الرجل، متسائلا ” كيف نترك ما هو متيقن لفائدة ما هو ظني”.

وطالب الرميد بتمتيع هذه الفئة من الأبناء بحقوقها، وقال إن هذا من باب “الإنصاف والعدل”، نافيا أن يكون هذا بابا لتشجيع العلاقات غير الشرعية، ومتمسكا بأن “الزنى من الكبائر، وهذا موضوع آخر”.

ووافق المجلس العلمي الأعلى شرعيًا على مجموعة من التعديلات التي اقترحتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وذلك خلال جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء يوم الاثنين 23 دجنبر 2024، والتي خصصت لمراجعة موضوع مدونة الأسرة.

ومن بين النقاط التي تمت الموافقة عليها من قبل المجلس، إيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة، وبقاء حضانة المطلقة على أطفالها حتى وإن تزوجت مجددًا، وفي المقابل، رفض المجلس العلمي الأعلى بعض المقترحات، حيث عبر عن رفضه لاستخدام الخبرة الجينية للحوق النسب، كما رفض إلغاء العمل بقاعدة التعصيب في الميراث.