مدونة الأسرة.. إثبات النسب في مرمى التدافع بين النصوص القطعية والتطورات العلمية
بعدما أثار رفض اللجنة العلمية للمجلس العلمي الأعلى للخبرة الجينية في إثبات نسب الأطفال الذي يولدون خارج مؤسسة الزواج، غضب عددا من الحقوقيين، الذين اعتبروا أن “الوقت قد حان لاستخدام هذه الوسيلة العلمية في إثبات نسب الأبناء”، اعتبرت عضو المجلس العلمي المحلي للرباط، والأستاذة الجامعية بكلية الآداب العلوم الإنسانية بالرباط بثينة الغلبزوري، أن المسألة يحسمها نص قطعي الثبوت لا مساغ فيه للإجتهاد، موضحة أن “الأمر يتعلق بالنسب وليس البنوة”.
وقالت بثينة الغلبزوري، في تصيح لصحيفة “صوت المغرب”، “إن رفض المجلس العلمي الأعلى لمقترح الخبرة الجينية في إثبات نسب الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج، يعود لوجود نص قطعي في القضية”، مشيرة إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الولد للفراش وللعاهر الحجر”.
وأوضحت الأستاذة الجامعية، “أن الأمر يتعلق بالنسب وليس البنوة، وأن وسيلة إثبات النسب هي الفراش أو الزوجية”، مفسرة بالقول العلاقة التي يعترف بها الشرع، ويعترف بها القانون والمجتمع، “هي العلاقة الزوجية وأن أي علاقة نتج عنها مولود خارج هذا الإطار لا يُعترف فيها بالنسب”.
واستدركت المتحدثة ذاتها، بالقول إن “الجديد أو الاجتهاد الذي أتى به المجلس العلمي الأعلى هو أنه يمكن إثبات البنوة، وأن يتحمل الأب المسؤولية إلى جانب الأم”، مشيرة إلى أنه “أصبح من باب المساواة ومن باب المشاركة في المسؤولية، جعل مسؤولية هذا الطفل الذي يولد خارج إطار العلاقة الزوجية مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة، وليس الأم فقط”.
وشددت عضو المجلس العلمي المحلي للرباط، أنه “لا يمكن إثبات النسب بالخبرة الجينية، لأن النسب لحمة اجتماعية وصلة شرعية قانونية”، معتبرة أن “العلاقة التي تتم خارج إطار العلاقة الزوجية، علاقة ممنوعة قانونًا ومحرمة شرعًا، وأن القانون المغربي يعتبرها جنحة ويعاقب عليها”.
وأضافت أنه “إذا أجاز المشرّع هذه النقطة، سيناقض نفسه وسيناقض الاجتهاد الإسلامي”، موضحة أن هذا “التناقض سيتجلى في أن المشرع يعاقب على هذه العلاقة”، وتساءلت: “كيف للمشرع بعد ذلك أن يكافئ الشخص بمنحه النسب؟”، مشددة في الوقت ذاته على “أن النسب علاقة ينتج عنها حقوق وواجبات”.
وفي نفس السياق، أشارت بثينة الغلبزوري إلى إنه “إذا كانت هناك واجبات من الأب تجاه الإبن كالتعليم والرعاية والنشأة إلى غير ذلك، فهذا الأب كذلك، ستصبح له حقوق على الإبن حينما يكبر”، لافتة إلى أنه “كحرمان وعقاب لهذا الأب على الفعل الذي ارتكبه، أُعطيت له مسؤوليات تجاه الابن وواجبات رعايته، لكن حُرِم من حقه في أن يُنسب هذا الابن إليه”.
ومن جانب آخر يرى بعض الحقوقيين أن رفض المجلس العلمي الأعلى للخبرة الجينية في لحوق النسب “تجاهلا للتطورات العلمية الحديثة”، وتشبثا بما وصفوه “بالنهج قديم”.
وفي هذا السياق، عبرت رئيسة جمعية التحدي والمساواة، بشرى عبدو عن أمنيتها في “أن يتم الحسم في هذه النقطة لأنها تشمل العديد من الأطفال داخل المغرب”، مضيفة أنها كانت تأمل في “أن تكون الخبرة الجينية هي الحل الوحيد لإثبات النسب ولحوق الطفل أو الطفلة بالأب البيولوجي”.
وشددت الحقوقية في تصريح سابق لصحيفة “صوت المغرب”، على أنه “لا يعقل أن نترك الأطفال دون نسب فقط بسبب وجود آيات قطعية”، مردفة أن “اليوم أصبح الاجتهاد ضروريًا، وأصبح من اللازم أخذ معاناة هؤلاء الأطفال داخل المجتمع بعين الاعتبار، ويجب تسهيل المساطر لهم ولذويهم، لأن الوقت قد حان لاعتماد الخبرة الجينية كوسيلة علمية لإثبات النسب”.
وتساءلت عبدو عن سبب “التناقض” اعتماد الخبرة الجينية في جرائم كبيرة مثل القتل أو السرقة، وعدم اعتمادها في إثبات، مؤكدة على أن “تطبيق إثبات النسب عبر الخبرة الجينية سيحل العديد من المشكلات الاجتماعية، ويضع حدًا لظواهر سلبية مثل الاغتصاب، والتحايل، والابتزاز الجنسي، والهروب من المسؤولية”.
وخلصت الفاعلة الجمعوية إلى أنه “عندما نتحدث عن أطفال بدون هوية، فإننا نتحدث عن وصمة عار تلحق بهم، وعن العنف النفسي اليومي الذي يمارس عليهم داخل المجتمع المغربي”، مشيرة إلى “النظرة الدونية التي يتعرضون لها بشكل يومي”.