story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

محمد ضريف: الإسلاميون يعيشون السنوات العجاف وحرب غزة ستضعفهم أكثر

ص ص

قال محمد ضريف، أستاذ القانون الدستوري ومختص في الحركات الإسلامية إننا نعيش مرحلة السنوات العجاف بالنسبة للحركات الإسلامية، وهذا سينعكس سلبا عليها.

وخلافا لما قاله البعض من أن الحرب على غزة أعادت الحركات الإسلامية وهجها، اعتبر ضريف، في حوار مع مجلة “لسان المغرب” أن هذه الحرب ستضعف الإسلاميين في العالم العربي عكس ما يقول بورغا، لأن هذا التأثير يجب أن يوضع في سياقه العام.

وزاد “لو كانت الحركة الإسلامية قوية وقادرة على فرض وجودها لجاز لنا القول إن هذه الحرب ستقويهم، لكننا في مرحلة جزر والتحليل ينبغي أن يرتبط بوضع الحركة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي”، وشدد على أننا في مرحلة جزر ستنعكس سلبا، خاصة أن القوى العالمية اتفقت على أن الإسلاميين لا يوجد بينهم معتدل ومتشدد.

س: ما هي قراءتك العامة لوضعية الإسلاميين المغاربة حاليا؟

ج: وضع الإسلاميين في المغرب كان دائما مرتبطا بوضع الإسلاميين في العالمين العربي والإسلامي، لذلك فإن لحظات صعود الإسلاميين في المغرب كانت دائما مرتبطة بما يجري في المشرق. مثلا: لحظات قوة الشبيبة الإسلامية في المغرب كانت مرتبطة بوضع التيار الإسلامي في مصر وبداية صعود التيار السلفي فيها بالخصوص. وبداية تشكل جماعة العدل والإحسان على المستوى التنظيمي ارتبط بالثورة الايرانية، إذ لا يمكن ربط نشأة تنظيم إسلامي ببعض الكتابات كما يفعل بعض الباحثين والمؤرخين الذين يحيلون على كتابات عبد السلام ياسين في بداية السبعينيات، من الممكن الحديث عن فكر إسلامي لكن الحديث عن تيار يعني قوى إسلامية. وبالتالي فإن تحول الجماعة الى قوة تنظيمية كان يرتبط بما وقع في ايران في 1979، أي مباشرة بعد نجاح الثورة في ايران، وعبد السلام ياسين قدم شروحات لنظرية آية الله الخميني في ما يتعلق بولاية الفقيه.

س: أي أن مسار الحركات الإسلامية في المغرب مجرد امتداد لما يجري لهذه الحركات في الخارج؟

ج: سواء تشكل الشبيبة الإسلامية أو جماعة العدل والإحسان كان تفاعلا مع ما يجري في العالم الإسلامي، كما كان ظهور الحركة الجهادية في المغرب ارتبط بما وقع في أفغانستان وتنظيم أسامة بن لادن والظواهري. هذه قاعدة أساسية تربط تطور وضع الحركة الإسلامي سلبا او إيجابا بما يجري في هذا السياق العالمي.

س: طيب ما هو وضع الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي حاليا؟

ج: وضع سيء وسلبي. حركة الاخوان المسلمين التي كانت مصدر الالهام بالنسبة للتيار الإسلامي، تعيش أزمتها الخانقة، وربما لن تتمكن من العودة إلى الساحة إلا بعد مرور عقود وعقود، لأن النظام المصري تمكن من كشفها وكأنه أراد أن يتعرف على إمكانياتها وما كانت تعد به وتبين بعد وصول الإسلاميين إلى رئاسة الدولة والأغلبية في مجلس الشعب المصري، أنهم غير قادرين على قيادة الدولة.

س: هناك من سيقول إن الجيش المصري هو الذي تدخل…؟

ج: هذا صحيح، لكن عندما يتمكن الجيش من التدخل والقضاء على تجربة تشكلت عبر مسار طويل، فهذا يعني أن هناك خللا في هذه التجربة.

س: ماذا عن باقي الإسلاميين في المنطقة؟

ج: هناك أزمة الإسلاميين في تونس أيضا، وهي أزمة خانقة، والأمر نفسه في السودان… أي أننا في مرحلة جزر ستنعكس سلبا، خاصة أن القوى العالمية اتفقت على أن الإسلاميين لا يوجد بينهم معتدل ومتشدد…

س: من الذي اتفق؟

ج: الولايات المتحدة تعتبر أن كل إسلامي يختزن بداخله بذور التطرف وإن كان يبدي أو يعبر عن اعتداله. هذا ما حدث في التعامل مع الوهابية، التي تعبر الأيديولوجيا الرسمية للمملكة العربية السعودية، لكن تبين أن أغلب الذين أصبحوا جهاديين وانتموا الى القاعدة هم في الأصل وهابيون، وبالتالي فإن الغرب بصفة عامة لا يميز بين الإسلاميين، وهي رؤية تناسب المتحكمين في تدبير الشأن السياسي في الدول العربية.

س: تعتقد أن هذا التراجع سينعكس على الحركة الإسلامية في المغرب؟

ج: هناك الآن بالفعل تراجع في شعبية حزب العدالة والتنمية. ولا يهم ان نجيب عن سؤال من المسؤول؟ الأساس هو أن العدالة والتنمية أصبحت تدرك أنها قد تستخدم كما حدث في 2011 لتشكيل أغلبية، وعندما تنتهي وظيفتها يتم إقصاؤها.

س: هناك تقارب لوحظ مؤخرا بين هذا الحزب وجماعة العدل والإحسان، هل هو رد فعل على هذا الإقصاء الذي تحدثت عنه؟

ج: لا ينبغي أن نعتقد أن هذا الاقصاء الذي تعرض له الحزب هو ما دفعه إلى ربط الصلة مع جماعة العدل والإحسان، لأنني أعتقد أن حركة التوحيد والإصلاح على الأقل لا يمكن أن تغامر بربط الصلة بالجماعة، لأن تصريحات بنكيران بالخصوص، كانت دائما تتهم الجماعة بأنها مناهضة للنظام، وجزء من “مجد” بنكيران كان سببه هذا الاتهام الذي يوجهه للجماعة كسياسي يخدم الدولة. والكلمة التي ألقاها مؤخرا بنكيران واضحة وتؤكد أنه لا يمكن أن تقترب العدالة والتنمية أو حركة التوحيد والإصلاح استراتيجيا من جماعة العدل والإحسان.

س: لكن هناك تقارب بين الطرفين؟

ج: قد يكون هناك تقارب تكتيكي، خاصة أن بنكيران ما زال لم يستسغ إبعاد حزبه من تصدر المشهد السياسي، ولو أنك عندما تسأل الأطراف الثلاثة (جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد ولإصلاح وحزب العدالة والتنمية)، لا تجدهم يقولون هناك تقارب، بل يتحدثون عن وحدة الرؤية الشرعية حول المقترحات التي ينبغي أن تحكم مدونة الاسرة في مواجهة التصريحات المستفزة لبعض المسؤولين الحكوميين، وبعض المسؤولين عن مؤسسات دستورية، ما يجعل الأمر يبدو كما لو أنه يتجه نحو تجاوز كل ما له علاقة بالشريعة. وبالنسبة للعدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح والجماعة، فمن السهل استقطاب الناس بالحديث عن الاحكام الشرعية.

س: هل شمل التراجع جماعة العدل والإحسان أيضا؟

ج: بالطبع، وهذا التراجع من جانب جماعة العدل والإحسان، مرتبط بغياب المؤسس، عبد السلام ياسين الذي كان أمة وحده، وهو المؤسس التاريخي والموجه. صحيح كانت تحصل بعض الأخطاء ي عهده مثل رؤية 2006، لكن لا أحد استطاع أن يناقشه فيها، وبالتالي هناك غياب المؤسس وانعكاس هذا الغياب السلبي الحالي بالنسبة للحركة الإسلامية في العالم، وبالتالي أعتقد أن الجماعة تريد العودة إلى الساحة بعدما غابت مقارنة بالوقت الذي كانت تسيطر فيه على الفضاء الجامعي، وهكذا أفهم قرار بإصدار هذه الوثيقة السياسية، هي محاولة للعودة.

س: لكن إلى أي حد يرتبط وضع الحركات الإسلامية في المغرب بما يحصل في الخارج؟

ج: نحن في مرحلة السنوات العجاف بالنسبة للحركات الإسلامية، وهذا سينعكس سلبا عليها، وفي محاولة لاحتواء هذه الآثار، ستحاول أن تقوم بمبادرات تجعلها مقبولة من الأطراف الأخرى، خاصة عندما نلاحظ أنه وأثناء تقديم “الوثيقة السياسة” من طرف الجماعة، تم استدعاء وجوه من اليسار، وأنا أعتقد أن هذه الظرفية ينبغي أن تقرأ على أساس أن الوثيقة موجهة للقبول بها من طرف القوى الأخرى من يسار وليبراليين وغيرهم من المعتدلين.

س: ما هي قراءتك العامة لهذه الوثيقة؟

ج: أنا لم أقرأ الوثيقة لأن وضعي الصحي لا يسمح لي بالقراءة، لكنني استمعت إلى مقابلة أجريت مع حسن بناجح، وتابعت جزءا مما قيل في ندوة تقديم الوثيقة، ولاحظت أن هناك إشكال عندما يقال لي “دولة عادلة” ويتحدثون مثلا عن أن الدولة كمؤسسة تتكون من إقليم وشعب وسلطة، بينما جميع الدول تتكون من هذه العناصر، وما ينبغي السعي إليه هو حكم عادل وليس دولة. م هناك مسألة توظيف الدين من طرف الدولة الذي تتحدث عنه الوثيقة، هذا أحد مصادر الشرعية خاصة في الدولة التقليدية التي تعتمد شرعية تاريخية، وبالتالي انت جماعة تسعى إلى الوصول إلى السلطة، ولك مرجعية دينية، هل ستتخلى عن الدين؟

س: مما يلاحظ على الوثيقة عدم تخصيصها أي محور للحديث عن صلاحيات الملكية في الهندسة الدستورية التي تقترحها؟

ج: كأستاذ للنظرية العامة للقانون الدستوري والأنظمة الدستورية، هذه الملاحظة تعني لي أن الجماعة تنخرط في الفلسفة السياسية للأنظمة الدستورية، لأن العالم يعتمد مبدأ فصل السلطات، وهذا المبدأ، كان أول من قال به هو جون لوك في 1689، في كتابه “الحكومة المدنية”، حيث قسّم السلطات إلى أربع سلطات: تشريعية وتنفيذية تدبر شؤون الداخل وسلطة اتحادية تدبر الشؤون الخارجية وسلطة الملك او التاج، ولم يتحدث عن السلطة القضائية التي اعتبرها من اختصاص الملك. والتصور الدستوري في المغرب ارتبط بجون لوك ولهذا لم يعتبر القضاء سلطة، وكانت الدساتير تتحدث عن القضاء قبل 2011، وظل القضاء يعتبر من مهام إمارة المؤمنين.
في 1748 أصدر مونتسكيو كتابه “روح القوانين”، وهو أول من قسّم السلطات إلى ثلاث: تشريعية وسلطة منفذة للقانون العام (التنفيذية)، وسلطة منفذة للقانون الخاص (القضاء). هذا التقسيم تم تبنيه في جميع الدول وأصبح الفقه الدستوري المعاصر يستخدم هذه المصطلحات الثلاثة، وجميع الأنظمة الدستورية الديمقراطية نجد فيها فصلا بين هذه السلطات، وكون الوثيقة السياسية تستخدم هذه المصطلحات، هو انخراط في تصور حديث او حداثي إن شئنا.

س: هناك توجه عام في الوثيقة يميل إلى النظام البرلمانين ما دلالة ذلك؟

ج: التوجه نحو نظام برلماني لا ينفي الملكية، لأن من يحكم في الديمقراطيات هو الوزير الأول أو الرئيس المنتخب، بين الملك يسود ولا يحكم، وجميع الدول الأكثر استقرارا في أوربا هي ملكيات، لكنها تعتمد النظام البرلماني مثل بريطانيا واسبانيا وبلجيكا وهولندا والدانمارك. لذلك فرسالة الجماعة التي ترغب في ايصالها هي أننا لسنا ضد الملكية لأن الملك سيكون له دور رمزي في هذه الحالة، وما داموا يتحدثون عن نظام برلماني فهذا لا يعني أنهم ضد الملكية. كثير من المعارضين في المغرب ليسوا ضد مؤسسة الملك بل ضد الدور الذي يلعبه الملك لأنه يسود ويحكم. بالتالي هم لم يتحدثوا عن الملكية كي لا يلزموا أنفسهم بأي شيء، لكنها إشارة واضحة ومحاولة للاقتراب من المخزن بحفظ مكانة المؤسسة الملكية ضمن هذه الهندسة الدستورية.

س: البعض يرى أن ما يجري في غزة حاليا قد يؤدي إلى صعود جديد للإسلاميين؟

ج: هناك ميول دائم لتبني النظريات الجاهزة، لهذا نسارع إلى القول إن كل حدث يمس الإسلاميين سيؤدي إلى تقويتهم، بينما وبتحليل بسيط يمكننا القيام به مع مجموعة من المواطنين، سنجد أن هناك من يربط عدوان إسرائيل على غزة بما حدث يوم 7 أكتوبر. وحتى قناة الجزيرة بدأت تؤرخ لعدد أيام الحرب انطلاقا من 7 أكتوبر الذي يذكر بالهجوم الذي قامت به حماس على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغلاف غزة. وبالتالي هناك من يعتقد أن المواطن الفلسطيني يعاني في غزة بسبب هجوم حماس. كما أن جزءا من الراي العام الغربي يؤيد إسرائيل ويتهم حماس بالإرهاب، وبالتالي لا يمكن أن نتسرع في القول إن هذه الحرب ستقوي الإسلاميين. ورغم أن خطاب إدارة بايدن متذبذب، لكن ذلك يفسر بالظرفية الانتخابية، ولولا ذلك لكانت تصريحاتها أكثر عدوانية.

ثم هناك مصر، حيث النظام مناهض للإسلاميين، ومن الاتهامات التي يوجهها لهم هو استعانتهم بقوات حماس، وهناك من يقول إن الهجوم على رفح هو تنسيق مصري-إسرائيلي. رفح اليوم محاصرة، وجزء من هذا الحصار تقوم به مصر، والأردن لم تعبر عن أي موقف، بل إنها تعرضت لتهددي قوى إسلامية، بالتالي ينبغي أن نربط في تحاليلنا تأثير حرب غزة على الإسلاميين بهذا الوضع الشامل للإسلاميين. زيادة على عنصر موازين القوى في الساحة الفلسطينية. لا ننسى أن منظمة التحرير معادية لحماس، ولو لم يتم التعبير عن ذلك صراحة، وإسرائيل تستهدف حماس داخل مدن الضفة دون أن يكون هناك رد فعل من جانب الفلسطينيين.

س: هناك باحثون يعتبرون أن ما يحدث في غزة سيقوي الإسلاميين في المنطقة كما كان الحال في حوارنا مع الخبير الفرنسي فرانسوا بورغا؟

ج: أنا أعتقد أن هذه الحرب ستضعف الإسلاميين في العالم العربي عكس ما يقول بورغا، لأن هذا التأثير يجب أن يوضع في سياقه العام. لو كانت الحركة الإسلامية قوية وقادرة على فرض وجودها لجاز لنا القول إن هذه الحرب ستقويهم، لكننا في مرحلة جزر والتحليل ينبغي أن يرتبط بوضع الحركة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي.

س: ما الذي يجعلك جازما؟

ج: يبدو أن المخطط أشمل من مواجهة بين اسرائيل وغزة، لأن هناك عدوان بريطاني أمريكي على الحوثيين، وعدوان أمريكي على حزب الله العراقي، وبالتالي إسرائيل الآن ليست في حرب مع غزة بل ربما هي مقبلة على تدشين حرب على لبنان، وبالتالي هي حرب أكبر مما يبدو، خاصة أن جل الدول العربية لم تعبر عن موقف باستثناء المطالبة بوقف إطلاق النار، كما كان في لقاء السيسي مع أردوغان. هل كنت تعتقد أن هذه القوى الحداثية المطالبة بتغيير المدونة ستجرؤ على استهداف الشريعة لو كانت تعتقد أن الحركات الإسلامية قوية؟