story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

محمد الضيف.. “رجل الظل” الذي أرهق الاحتلال ورحَل منتصراً

ص ص

“كيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ دون وسام الشهادة في سبيل الله”! بهذه الجملة نعت كتائب الشهيد عز الدين القسام قائد أركانها محمد الضيف، يوم الخميس 30 يناير 2025، معلنة استشهاد قائد “أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة”، قبل توقيع خاتم مسيرته البطولية بملحمة غيرت وجه المنطقة، وأدخلت معادلات جديدة في الصراع مع الاحتلال.

ونعى أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الضيف، في كلمة مصورة، بالقول “نزف إلى أبناء شعبنا العظيم استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف”، مع “ثلة من المجاهدين الكبار من أعضاء المجلس العسكري للقسام”.

من هو الشهيد الضيف؟

هو محمد دياب إبراهيم المصري (أبو خالد)، المعروف باسم محمد الضيف، وُلِد عام 1965 لعائلة فلسطينية لاجئة، اضطرت إلى مغادرة قريتها “القبيبة” داخل فلسطين المحتلة بعد نكبة 1948.

عاشت عائلته في البداية داخل أحد مخيمات اللاجئين، قبل أن تستقر في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة. ونظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها أسرته، اضطر إلى خوض غمار العمل في سن مبكرة، إذ اشتغل في مهن متعددة لمساندة والده، الذي كان يعمل في محل غزل.

التحق محمد الضيف بالجامعة الإسلامية في غزة، حيث درس العلوم. وكما تميز لاحقاً في العمل العسكري، برز الضيف خلال تلك الفترة، كطالب نشط في مجالات متعددة، منها العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما كان له حضور مميز في المسرح؛ إذ ساهم بتأسيس أول فرقة فنية إسلامية في فلسطين تسمى “العائدون”.

وخلال دراسته الجامعية، تشكلت قناعات الضيف الفكرية حيث تأثر بالفكر الإسلامي وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ليكون من أبرز ناشطي الكتلة الإسلامية، قبل أن يلتحق بصفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس التي انطلقت من رحم الجماعة نهاية 1987، ليصبح أحد أهم قياداتها الميدانية.

من الأسر إلى القيادة

في عام 1989، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي محمد الضيف، إذ قضى 16 شهراً في سجونها دون محاكمة، بعد اتهامه بالانتماء إلى الجناح العسكري لحركة حماس. وتزامن إطلاق سراحه مع صعود كتائب الشهيد عز الدين القسام كقوة بارزة في المقاومة الفلسطينية بعد تنفيذها عمليات نوعية ضد أهداف إسرائيلية.

وخلال فترة سجنه، اتفق الضيف مع زكريا الشوربجي وصلاح شحادة على إنشاء كيان منفصل عن حماس يهدف إلى أسر جنود الاحتلال، وهو ما أدى إلى تأسيس كتائب القسام.

وانتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة القسام من قطاع غزة، وهناك أشرف على تأسيس فرع للكتائب، ليبرز لاحقاً كقائد ميداني بارز بعد اغتيال عماد عقل عام 1993.

ويُقال إن محمد الضيف حصل على لقبه الذي اشتهر به بعد انتقاله إلى الضفة الغربية، ليؤسس فيها فرع كتائب القسام، وكأنه كان “ضيفًا” على تلك الساحة قبل أن يعود إلى غزة، في حين يرجح آخرون أن اللقب جاء من نمط حياته، حيث لا يستقر في مكان واحد، فكثيراً ما يكون ضيفاً على أحد متنقلاً باستمرار، بعيداً عن أعين الاحتلال.

وبعد اغتيال يحيى عياش في 5 يناير 1996، قاد الضيف سلسلة من العمليات الفدائية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 إسرائيلياً، في رد انتقامي اعتُبر نقطة تحول في المواجهة مع الاحتلال.

وكان للضيف دور بارز في تطوير أسلحة حماس، كما شارك في تخطيط وتنفيذ عشرات العمليات ضد الاحتلال أبرزها سلسلة “الثأر المقدس”، مما جعله من الشخصيات الرئيسية في قوائم المطلوبين للاحتلال.

اعتقلته السلطة الفلسطينية في ماي 2000، لكنه نجح في الفرار مع اندلاع انتفاضة الأقصى، التي شهدت تصعيداً نوعياً في أداء الجناح العسكري لحماس. وفي هذه الفترة، برز الضيف بقدراته الاستثنائية، منفذاً عمليات أربكت الاحتلال وأوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى.

تولى محمد الضيف قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس في العام 2002، بعد اغتيال القائد القسامي صلاح شحادة، ليبدأ وضع استراتيجية جديدة للمقاومة تضمنت تدريب مقاتلين غير استشهاديين، وتوسيع نطاق العمليات داخل العمق الإسرائيلي. وبسبب دوره المؤثر في تطوير سلاح المقاومة، أدرجت واشنطن اسمه عام 2015 على قوائم الإرهاب.

أمل الفلسطينيين

“حط السيف قبال السيف.. إحنا رجال محمد ضيف”، شعار اعتاد الفلسطينيون الهتاف به في أعقاب الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم سواء في القدس أو الضفة الغربية أو في الداخل الفلسطيني المحتل، إلى جانب هتاف “منشان الله يا غزة يلاه”، باعثين بصيحاتهم لبطلهم محمد الضيف من إجل أن يغيثهم ويكف ظلم الاحتلال عنهم.

وبرز هذا الشعار في ماي 2021 خلال المظاهرات التي اندلعت في القدس، في أعقاب تصاعد المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي حاول طرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح وتسليمه للمستوطنين.

وفي ظل هذه التطورات، وجّه محمد الضيف تحذيراً شديد اللهجة، قائلاً: “إن لم يتوقف العدوان على أهالي حي الشيخ جراح في الحال، فإن كتائب القسام لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيدفع الاحتلال الثمن غالياً”. وذلك قبل أن يتحرك فعلياً للرد على تواصل العدوان، مما أدى إلى اندلاع معركة “سيف القدس”، التي شهدت تصعيداً عسكرياً غير مسبوق بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.

قائد ملحمة الطوفان

بتاريخ السبت 7 أكتوبر 2023، استيقظ العالم على مشاهد طائرات شراعية تحمل مقاتلين من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تخترق أجواء المستوطنات الإسرائيلية على الحدود مع غزة، واقتحام آخرين السياج الفاصل بدراجات نارية وسيارات دفع رباعي وسيراً على الأقدام.

وهنا برز محمد الضيف بصوته الجهوري ونبرته الحازمة وصورته المُظلَّلة، ليعلن انطلاق عملية “طوفان الأقصى” رداً على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والمقدسات، ويؤكد أن العملية بدأت بضربة أولى استهدفت مواقع عسكرية ومطارات وتحصينات إسرائيلية، مع إطلاق 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من الهجوم.

وأضاف أن “قيادة القسام قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون حساب”، داعياً الشباب الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وداخل الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الانتفاض نصرةً للمسجد الأقصى، قائلاً: “اليوم، كل من عنده بندقية فليخرجها، فقد آن أوانها”.

7 محاولات اغتيال

نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال موثقة، وأبرزها تلك التي وقعت في شتنبر 2002، عندما قصفت مروحيات إسرائيلية سيارات في حي الشيخ رضوان، وادعى الاحتلال حينها أنه تمكن من قتله، لكنه تراجع لاحقاً بعد تأكده من نجاته بأعجوبة.

وحاولت إسرائيل اغتياله سبع مرات في الأعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014 و2023 و2024، لكنها فشلت في جميع محاولاتها.

وفي غشت 2023، أعلنت حركة حماس استشهاد زوجة الضيف وابنه الرضيع علي، البالغ من العمر سبعة أشهر، في غارة إسرائيلية استهدفته لكنها لم تتمكن من النيل منه.

وفي 13 يوليوز 2024، شنّ الاحتلال سلسلة غارات على منطقة المواصي في خان يونس، زاعماً أنها كانت تهدف إلى اغتيال الضيف، إلا أن حماس نفت وجوده في الموقع المستهدف، مؤكدة أن هذه الادعاءات تهدف للتغطية على حجم المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين في المنطقة.

ولم يكن الضيف يظهر أبداً على شاشات الإعلام، بحيث أن حضوره كان يقتصر على تصريحات مكتوبة أو تسجيلات صوتية، مما يجعل تعقبه واغتياله أمراً شديد الصعوبة بالنسبة إلى المخابرات الإسرائيلية، التي أرجعت فشلها إلى قدرته الفائقة على التخفي والمناورة، وحرصه الشديد على البقاء بعيداً عن الأضواء.

مذكرة اعتقال دولية

في 20 ماي 2024، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقديم طلب رسمي لاستصدار أوامر اعتقال بحق يحيى السنوار الرئيس السابق لحركة حماس، وإسماعيل هنية رئيسها الأسبق ومحمد الضيف قائد أركان جناحها العسكري من جهة، وبحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت من جهة أخرى، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على خلفية أحداث أكتوبر 2023.

في المقابل، اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القرار مساواة بين الضحية والجلاد، حيث قال القيادي سامي أبو زهري في تصريح لوكالة رويترز إن قرار المحكمة “يشجع إسرائيل على مواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين”، منتقداً ما وصفه بازدواجية المعايير في التعامل مع العدوان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.

يرتقي منتصراً

وفي 30 يناير 2025، أعلن المتحدث الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام عن استشهاد قائد هيئة الأركان محمد الضيف، مع 6 من قادة المجلس العسكري وهم: نائب قائد أركان القسام مروان عيسى، وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية غازي أبو طماعة، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت، وقادة ألوية خان يونس والشمال والمحافظة الوسطى.

وقال أبو عبيدة: “نزف إلى أبناء شعبنا العظيم استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف. واستشهاد ثلة من المجاهدين الكبار من أعضاء المجلس العسكري للقسام”.

وتزف المقاومة قائدها بعد 15 شهراً من البطولات في قطاع غزة، حيث قاد محمد الضيف مع رفاقه ملحمة “طوفان الأقصى” التي توجت بانتصار المقاومة الفلسطينية، مع دخول اتفاق وقف إطلاق حيز التنفيذ يوم الأحد 19 يناير 2025.

وجاء هذا الاتفاق بعد صمود استمر لأكثر من 460 يوماً، برزت أثناءها وبعدها معالم نصر للمقاومة، بينما شكلت هزيمة مؤلمة لإسرائيل، التي اضطرت للقبول بشروط حماس، والتي شملت الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والانسحاب من قطاع غزة.

“كما أنت هنا مزروع أنا ولي في هذه الأرض آلاف البذور، ومهما حاول الطغاة قلعنا ستنبت البذور.. أنا هنا في أرضي الحبيبة الكثيرة العطاء، ومثلها عطاؤنا يواصل الطريق لا يخلف المسير”. كانت هذه كلمات محمد الضيف في آخر ظهور له عبر مقطع بثته قناة الجزيرة، يوم الجمعة 24 يناير 2025، وهو ينظر إلى صورة للمسجد الأقصى المبارك.