story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

محللون: “قانون التعبئة” الجزائري يشير لاستعدادات استباقية وليس إعلان حرب

ص ص

أثار اعتماد مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة عبد المجيد تبون، مشروع قانون التعبئة العامة، جدلاً واسعاً وتخوفات من إمكانية تصعيد عسكري أو أمني في المنطقة، خاصة أن مثل هذا القانون لم يتم اللجوء إليه في تاريخ الجزائر الحديث إلا في مناسبات قليلة، كما أن توقيته جاء في ظرف إقليمي دقيق، يعرف توترات متزايدة، خاصة على الحدود الجنوبية مع مالي.

ليس بالضرورة إعلان حرب

وفي هذا السياق، أوضح إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن قانون التعبئة العامة لا يعني بالضرورة إعلان حالة حرب أو بدء التجنيد، “بل هو إطار تشريعي يسمح للدولة والمجتمع بالاستعداد لحالات استثنائية متعددة، سواء تعلق الأمر بحرب، أو وباء، أو كارثة طبيعية، أو خطر أمني أو صحي”.

ويرى حمودي في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”، أن هناك ثلاث قراءات ممكنة لهذا القرار، وأولها أن القانون الجديد يهدف إلى تأهيل مؤسسات الدولة ورفع الجاهزية لأي طارئ محتمل، مشيراً إلى “أن التعبئة العامة هي حالة تنظيمية وقائية أكثر من كونها حالة مواجهة فورية”، وهي تندرج في إطار تحديث المنظومة التشريعية العسكرية الجزائرية وتفعيل المادة 99 من دستور 2020.

وشدّد المتحدث ذاته، على أن هذا المشروع لا يعني إعلاناً فورياً للتعبئة، “بل يندرج ضمن سد فراغ قانوني قائم، ويتطلب لاحقاً تصديقاً برلمانياً”، مؤكداً أن الجزائر بصدد وضع إطار قانوني واضح يحدد شروط وإجراءات التعبئة، وليس إصدار قرار تعبئة عامة في الوقت الراهن.

من جهة أخرى، ربط حمودي المصادقة على مشروع القانون بالسياق الإقليمي المتوتر الحالي، خاصة بعد إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيّرة تابعة لدولة مالي، حيث يعكس هذا التطور، حسب رأيه، “تصاعد الضغوط الأمنية على الحدود الجنوبية ويدفع الجزائر لاتخاذ خطوات استباقية لحماية أمنها القومي”.

وفي نفس الاتجاه، أشار حمودي إلى أن هناك شعوراً متنامياً لدى صانع القرار الجزائري بوجود تهديدات محيطة من مختلف الاتجاهات، وهو ما عبّر عنه الرئيس تبون في تصريحات إعلامية تحدث فيها عن وجود “مخطط عدائي” لتطويق الجزائر من الشرق والجنوب والغرب.

لا تهديد حالي للمغرب

من جانبه، يرى الصحافي إدريس عدار، أن قرار اعتماد مشروع قانون التعبئة العامة لا يمكن تفسيره فقط من زاوية التهديدات الخارجية أو التصعيد الإقليمي، “بل يجب النظر إليه أيضاً في إطار نمط صناعة القرار داخل الدولة الجزائرية، الذي يفتقر أحياناً إلى الانضباط السياسي والدبلوماسي، ما يجعل قراراتها غير قابلة للتنبؤ أو الفهم بسهولة”.

واستدل في هذا الإطار بتعامل الجزائر الانتقائي مع مواقف بعض الدول من قضية الصحراء المغربية، إذ قامت باتخاذ إجراءات صارمة تجاه دول أعلنت دعمها لمغربية الصحراء، بينما تجاهلت دولاً أخرى عبّرت عن مواقف مماثلة أو حتى أكثر وضوحاً، من دون أن تتخذ ضدها أي رد فعل.

وبخصوص توقيت اعتماد مشروع قانون التعبئة العامة، اعتبر عدار أن أحد الدوافع الرئيسية داخلي، يتمثل في محاولة تهدئة الجبهة الداخلية، في وقت تتجه فيه الجزائر نحو تراجع عائداتها المالية، خاصة في ظل الإجراءات الحمائية الأمريكية التي قد تؤثر على صادراتها من النفط والغاز.

أما الدافع الثاني، “فيرتبط بالتوتر الإقليمي، خصوصاً في المنطقة الجنوبية للجزائر، بعد إسقاط الطائرة المسيرة المالية وسحب السفراء”، حيث يرى عدار أن “هذا التوتر لا يصل إلى حد الحرب، لكنه قد يؤدي إلى مناوشات في منطقة تعرف هشاشة أمنية كبيرة بفعل انتشار الجماعات المسلحة”.

ويضيف المتحدث ذاته، أن السبب الثالث وراء اعتماد هذا المشروع هو سعي الجزائر إلى رفع سقف التحدي السياسي، وبعث رسائل إلى القوى الدولية مفادها أن الجزائر طرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية إقليمية، خصوصاً في ظل التطورات المتعلقة بمواقف الدول من ملف الصحراء المغربية.

من هذا المنطلق، فإن قانون التعبئة العامة، حسب عدار، يحمل طابعاً رمزياً أكثر من كونه إجراءً عملياً مباشراً، فهو يندرج في إطار المزاوجة بين التصعيد الدبلوماسي والاستعداد العسكري، دون أن يكون مؤشراً على نية جزائرية فعلية للانخراط في مواجهة مباشرة.

أما بخصوص مدى ارتباط هذا القرار بالتحركات الأخيرة لتحالف دول الساحل (AES)، فقد استبعد الصحافي ذاته، أن تشكل هذه التحركات تهديداً مباشراً للجزائر، مؤكداً أن الاستدعاء الدبلوماسي من قبل الجزائر كان ردة فعل على تصرفات محسوبة، وليست تهديداً حقيقياً وفعلياً لها.

وفي المقابل، أشار المتحدث إلى أن تحركات الجزائر هي التي قد تثير مخاوف دول الساحل، خاصة وأن أي توتر في هذه المنطقة قد يفتح المجال أمام نشاط الجماعات الإرهابية، ويؤدي إلى انفلات أمني واسع بسبب استحالة مراقبة الحدود الممتدة بين هذه الدول.

أما فيما يتعلق بالمغرب، فقد أكّد عدار أنه لا توجد أي مؤشرات على احتمال تصعيد أمني بين الرباط والجزائر، في ظل غياب خطوط تماس مباشرة، والتزام المغرب بوقف إطلاق النار رغم الخروقات التي تقوم بها جبهة البوليساريو الانفصالية في المنطقة العازلة.

واعتبر إدريس عدار أن الجزائر، رغم تنصلها الرسمي من ملف الصحراء، تصر على أن تكون جزءاً من أي تسوية مستقبلية، وهو ما يرفضه المغرب، الذي يرى أن الجزائر طرف أساسي في النزاع، ولا يمكن اعتبارها مجرد داعم للبوليساريو فقط.