محللون: المصالح الاقتصادية والسياسية تقرب روسيا والصين من دعم المغرب في ملف الصحراء

في الفترة الأخيرة، تصاعدت التوقعات والتقارير بشأن احتمال اعتراف كل من روسيا والصين بمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل نزاع الصحراء، وهو ما أكده محللون سياسيون، حيث اعتبروا أن مواقف القوى الكبرى تشهد تحولات ملحوظة.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي محمد شقير، إن تجديد إدارة ترامب اعترافها بمغربية الصحراء كان له تأثير كبير على الدول الكبرى والفاعلة في المنتظم الدولي، خصوصا تلك التي تتمتع بحق النقض داخل مجلس الأمن. وأضاف أن هذا الاعتراف الأمريكي ساهم في دفع فرنسا إلى تأييد الموقف المغربي، وهو ما شكل تحولا في موقف باريس التاريخي من النزاع.
وأوضح شقير أن الموقف الفرنسي الجديد أدى إلى خلاف حاد مع الخصم الرئيسي للمغرب، بعدما تخلت باريس عن سياسة التوازن التي كانت تتبناها في علاقاتها الخارجية مع كل من الجزائر والمغرب. وأكد أن هذا التحول الفرنسي شكل نقطة تحول في تعاطي باقي القوى الدولية مع ملف الصحراء.
معاناة الدول مع الحركات الانفصالية
وأضاف شقير أن اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء ساهم أيضا في تبني بريطانيا لموقف إيجابي تجاه المبادرة المغربية للحكم الذاتي، بوصفها عضوا ثالثا يتمتع بحق النقض داخل مجلس الأمن.
وأشار شقير إلى أن “هذه التطورات دفعت كلا من روسيا والصين إلى الاستعداد لإعادة النظر في مواقفهما، لاعتبارات اقتصادية وسياسية متداخلة”، لافتا إلى أن زيارة الرئيس الصيني إلى المغرب واستقباله من قبل ولي العهد المغربي حملت رسائل سياسية واضحة في هذا الاتجاه.
كما تابع أن العلاقات المغربية الصينية تعززت مؤخرا بعد توقيع اتفاقية كبرى مع شركة صينية لإنجاز مشروع للبطاريات بالجرف الأصفر.
واعتبر شقير أن الصين، التي تعاني بدورها من حركات انفصالية وتسعى لاسترجاع تايوان، “قد تجد في موقف المغرب تجاه وحدته الترابية ما يتقاطع مع أولوياتها الجيوسياسية، وهو ما قد يدفعها لتبني موقف أكثر تفهما للمقترح المغربي”.
وفيما يخص روسيا، أبرز شقير أن موقف المغرب المحايد من الحرب الروسية الأوكرانية، والخلاف الحاد بين موسكو والجزائر بشأن التواجد في مالي والساحل، قد يدفع روسيا إلى تغيير موقفها، حيث أكد أن الجزائر باتت تعاني من عزلة دبلوماسية متزايدة.
وأشار إلى أن روسيا نفسها شنت الحرب على أوكرانيا لمواجهة ما وصفته بالحركات الانفصالية التي تهدد أمنها القومي ووحدتها الجغرافية، وهو ما قد يبرر، بحسبه، “تحولًا في موقف موسكو لصالح المبادرة المغربية”.
وفي غضون ذلك، أكد شقير إلى أن تغيير روسيا والصين لموقفيهما من قضية الصحراء من شأنه أن “يسرّع في الطي النهائي لهذا النزاع”، معتبرا أن ذلك “سيساهم في تكريس الشرعية الدولية، ويعزز مكانة المغرب كقوة إقليمية على المستويين السياسي والعسكري”.
دعم للاستقرار
من جهته، أكد خالد الشيات أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة، أن هناك منطقين رئيسيين يدعمان هذا التحول في موقف القوى الكبرى تجاه المبادرة المغربية، أولهما سياسي يقوم على دعم المسار السلمي ورفض العنف، وثانيهما استراتيجي مرتبط بالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية، مشددا أن كل ذلك يصب في اتجاه دعم متزايد لمبادرة الحكم الذاتي في الأوساط الدولية.
وفي هذا السياق، أوضح الشيات أن دعم أي دولة لمبادرة الحكم الذاتي يندرج في منطق الحل السلمي، خاصة أنه يأتي مقابل التوجهات العنيفة والعسكرية التي تتبناها الجزائر والبوليساريو، مضيفا أن هذا الموقف يعكس انحيازًا إلى التفاوض والعمل الواقعي والعقلاني.
وفي هذا الإطار، أشار إلى أن أكثر من ألف بلاغ عسكري صدر عن البوليساريو، ما يبرز تمسكها بخيار الكفاح المسلح، في حين أن المبادرة المغربية تظل خيارًا سلميًا قابلاً للتطبيق، مؤكدا أن تأييد هذه المبادرة هو في حقيقته دعم للاستقرار الإقليمي وتعزيز للأمن الجماعي.
كما لفت إلى أن تبني دول مثل روسيا أو الصين لهذا الموقف لا يعني بالضرورة تدهور علاقاتها مع الجزائر، لأن المقترح المغربي لا يمس بمبدأ السيادة، معتبرا أن هذه الدول تمتلك هامش مناورة كافٍ لتبرير مواقفها وفقًا لحسابات استراتيجية خاصة.
وتابع أن الجزائر، رغم مكانتها، “تبقى في حاجة إلى كل من روسيا والصين أكثر مما هما بحاجة إليها، سواء في المجال العسكري بمنطقة الساحل أو على المستوى الاقتصادي”، كما أكد أن المغرب في المقابل يمثل منفذًا استراتيجيًا مهمًا لهاتين القوتين معاً.
وأضاف أن هذا المعطى يتقاطع مع واقع العلاقات التي تربط المغرب بعدد من دول الساحل والصحراء، وهي الدول نفسها التي أصبحت في توتر متزايد مع الجزائر، لافتا إلى أن هذا الوضع يعزز من جاذبية المغرب لدى موسكو كشريك موثوق في هذه المنطقة الحيوية.
وفي الجانب الاقتصادي، أكد الشيات أن الصين تنظر إلى المغرب كشريك استراتيجي بفضل موقعه الجغرافي وانفتاحه نحو أوروبا وإفريقيا، معتبرا أن “هذه المميزات تجعل منه ممرًا محوريًا ضمن رؤية بكين لتوسيع صادراتها وتنمية نفوذها في القارة الإفريقية وخارجها”.