محاكمة إسرائيل..ماذا بعد التدابير المؤقتة؟
بعد ما أصدرت محكمة العدل الدولية في الـ26 يناير 2024 حكمها المتعلق بالتدابير المؤقتة في شأن الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تتهمها فيها بارتكاب “إبادة جماعية” في قطاع غزة، تتجه أنظار المجتمع الدولي بترقب شديد إلى “ما بعد القرار الأولي” وما سينجم عنه من تداعيات محتملة سياسية.
الفيتو ضد القرار
في هذا الصدد، سجل أستاذ القانون الدولي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، رشيد باجي، أن “الحكم الذي أصدرته العدل الدولية بشأن ادعاءات الانتهاكات الإسرائيلية تجاه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، لا شك أنه سيصدر عنه مجموعة من التبعات، بحكم عدم توفر “لاهاي” على آليات تنفيذ الأحكام ذات الطابع الإلزامي”.
ولفت باجي إلى أنه “من أجل سد هذه الفجوة القانونية، خولت المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن وبناء على طلب الطرف المتضرر، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يصدر قرارا بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم، وهو ما يطرح إشكالا آخر يتعلق بإمكانية استعمال الفيتو الأمريكي ضد قرار”.
استعمال الفيتو، سينجم عنه سابقة تاريخية قد تتمثل في معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لأحكام القانون الدولي، وهو الأمر الذي لا يتمناه القانونيون، حيث ستوضع جدوى “لاهاي” وأحكامها في الميزان طالما أن تنفيذها يخضع لإرادة القوى العظمى، على حد اعتبار أستاذ القانون الدولي بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء.
واستبعد المختص القانوني هذا الاحتمال رغم إمكانية حدوثه، نظرا لكونه “قد يضع الإدارة الأمريكية أمام مواجهتين، رأي عالمي معارض للإبادة الجماعية ورأي عام أمريكي سئم من التبريرات الإسرائيلية والأمريكية، خاصة وأن القادة الإسرائيليين لم يغيروا من لهجتهم حيال الحرب الدائرة رحاها بغزة”.
وأضاف المتحدث ذاته أنه “يرجح من أن حرب إسرائيل على قطاع غزة، قد تحرك اتجاها أمريكيا وأوروبيا من أجل الضغط على إسرائيل بغية بشكل مبدئي تغيير طريق إدارتها للحرب، والانتقال من الاجتياح البري إلى عمليات عسكرية نوعية تقلل من خلالها عدد الضحايا المدنيين”.
بطاقة صفراء
قرار “لاهاي” أثار ردود فعل واسعة لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية، الصحيفة الإسرائيلية “هآرتس” تناولت القرار الأخير، معتبرة أن حكم “لاهاي” هو بمثابة بطاقة صفراء لإسرائيل، وأن القرار بمجمله يعد انتصارا لحركة المقاطعة التي تشنها عدد من الهيئات المساندة للقضية الفلسطينية ضد المنتجات الإسرائيلية والداعمة لها.
من جانبه، رئيس تحرير الصحيفة الإسرائيلية، ألوف بن، كتب أن بنيامين نتنياهو تلقى يوم حكم المحكمة ضربة أخرى،
“من الصعب تعزية أنفسنا، بامتناع قضاء المحكمة عن طلب وقف إطلاق النار الفوري، قرار “لاهاي” يعرض إسرائيل كمتهمة واضحة لارتكاب الإبادة الجماعية”
ألوف بن- رئيس تحرير الصيفة الإسرائيلية “هآرتس”
القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية يحذر بشكل صريح من التلاعب بالأدلة ويطالبها بتقديم تقرير عن سلوك جيد، وكل هذا فشل مسجل على رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وعد سابقا بتعزيز مكانة إسرائيل، فجعلها بدل ذلك في مكانة الدولة المجرمة، على حد تعبير بن.
رئيس تحرير الصحيفة الإسرائيلية، سجل أيضا أن “الإذن الضمني الذي أصدره قضاة “لاهاي” بمواصلة الحرب قد يتحول إلى فخ، ما سيؤدي إلى تراكم المزيد من الأدلة ضد إسرائيل في المستقبل”، مضيفا أنه “رغم تحقق احتمال وقف إطلاق النار على المدى القريب فإن أبعاد القتل والدمار التي حدثت في ما مضى في غزة، لا تزال وراء الستار، وغالبا ما سيتعين على إسرائيل أن تتعامل مع العواقب الوخيمة المتربتة عنها”.