مالية 2026.. ضرائب الكحول والتبغ تثير نقاش العدالة الاجتماعية
مع كل قانون مالية جديد، تعرف الرسوم الضريبية المفروضة على التبغ والكحول، زيادة جديدة، كما هو الحال بالنسبة لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة، حيث من المنتظر أن تصل مداخيل الرسوم الداخلية على الاستهلاك (TIC) “La Taxe Intérieure de Consommation” إلى أكثر من 21 مليارا و168 مليونا، مقابل حوالي 16 مليار درهم سنة 2025، أي زيادة تفوق خمسة مليارات درهم.
وتخلق هذه الزيادات السنوية جدلا كبيرا لدى شرائح واسعة من المواطنين، الذين يتساءلون عن أسباب هذه الارتفاعات المستمرة، “في غياب أي صوت سياسي قادر عن الدفاع عنهم وعن حقوقهم، بحكم اعتبارات سياسية ودينية محافظة”.
يأتي ذلك، في وقت تواصل فيه الحكومة هذه السنة رهاناتها على تعزيز المداخيل الجبائية الثابتة لضمان استقرار المالية العمومية، واستهداف تقليص عجز الميزانية إلى 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بعدما بلغ 3.5 في المائة مع نهاية السنة الجارية، وذلك من خلال الاعتماد المتزايد على الرسوم المفروضة على منتجات الاستهلاك، خصوصًا التبغ والمشروبات الكحولية، كمورد أساسي لدعم الميزانية العامة.
وفي السياق اعتبرت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن الرفع من الضرائب على المشروبات الكحولية والتبغ في مشروع قانون المالية لسنة 2026، يبدو في ظاهره إجراءً أخلاقياً أو صحياً، لكنه في العمق “يعكس توجهاً انتقائياً وغير منصف في السياسة الجبائية للحكومة”.
وأوضحت التامني في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن الحكومة، بدل أن تستهدف الإصلاحات الجبائية الخاصة بالفئات الأكثر ثراءً أو الأنشطة الاقتصادية الريعية، تختار مرة أخرى الطريق الأسهل، بفرض زيادات على فئات محدودة اجتماعياً واقتصادياً، دون رؤية شمولية لإصلاح المنظومة الضريبية.
وأضافت النائبة البرلمانية أن المشكلة الأعمق تكمن في أن عائدات الضرائب على الخمور والتبغ، التي تدرّ على الدولة مليارات الدراهم سنوياً، لا تُخصص لبرامج صحية أو اجتماعية محددة كما هو معمول به في بعض الدول، مثل دعم الصحة النفسية، مكافحة الإدمان، أو تمويل برامج الثقافة. بل، تذوب هذه المداخيل في الميزانية العامة دون أي أثر مباشر على حياة المواطنين، “مما يجعلها ضرائب غير عادلة وغير ذات مردودية اجتماعية”.
وقالت التامني إن الرفع من ضرائب الخمور ليس إصلاحاً جبائياً، “بل اختيار رمزي وشعبوي، يخفي غياب الشجاعة السياسية الحقيقية لإصلاح النظام الجبائي على أسس العدالة والتوزيع المنصف للثروة”، مبرزة أنه “إجراء بلا رؤية، يُنتج فقط مزيداً من التناقض بين خطاب الحكومة حول العدالة الاجتماعية وممارستها الفعلية”.
وفي ظل هذا الوضع، أكدت المسؤولة البرلمانية أن مستهلكي التبغ والخمور لا يملكون فاعلاً سياسياً يتبنى الدفاع عن حقوقهم، إذ غالبًا ما يتفادى الفاعل السياسي هذا الملف خوفاً من الاصطدام مع المرجعيات الدينية أو المحافظة، ما يترك المستهلكين “دون تمثيل أو صوت سياسي”، رغم أنهم فئة تساهم في الخزينة العامة عبر ضرائب باهظة على الكحول والتبغ.
الأسس القانونية
وفي ظل التوجه الحكومي لتعزيز الموارد الضريبية ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026، يوضح المستشار القانوني، أمين الفتحي، في مقابل ذلك، الأسس القانونية والوظائف التنظيمية وراء رفع الرسوم الضريبية على المشروبات الكحولية ومنتجات التبغ، موضحًا أن هذه الإجراءات، “هي جزء من الإصلاح الجبائي الأوسع الذي تستهدفه الحكومة”.
وقال الفتحي، إن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يقترح رفع الرسوم الانتقائية على المشروبات الكحولية والمواد الأخرى الخاضعة للضريبة الداخلية على الاستهلاك (TIC) “La Taxe Intérieure de Consommation” مثل التبغ، باعتبارها فئة من الضرائب التي يمكن تعديل معدلاتها سنويًا.
وأضاف أن هذه الآلية، المعروفة بـ”الرفع التدريجي في نسب ورسوم الـTIC”، تعد ممارسة معتمدة في قوانين المالية السابقة، ويتم تضمينها في الجداول الملحقة بقانون المالية.
وأوضح المتحدث أن المشرع المالي يبرر هذه الزيادات بأنها ليست مجرد مورد مالي، بل ترتبط بثلاث وظائف تنظيمية منصوص عليها في الوثائق التفسيرية للمشروع، وهي: توسيع الوعاء الجبائي، مكافحة الغش والتهريب، والحد من استهلاك السلع ذات الأثر الصحي والاجتماعي المرتفع، وهذا يمنح بحسبه المشرع أساسًا قانونيًا لرفع العبء الضريبي على هذه الفئات.
وأشار المستشار القانوني إلى أن “الحكومة تعتبر هذا الرفع جزءًا من إصلاح جبائي أشمل منصوص عليه في القانون-الإطار رقم 69-19، الذي يهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي، الحد من الغش والتهريب، وتعميم نظام الوسم الجبائي على هذه المواد لضمان مراقبتها وتتبع مسارها التجاري بشكل أدق”.
وأضاف أن المشروبات الكحولية ومنتجات التبغ لا تخضع فقط للضريبة على القيمة المضافة (TVA) “La taxe sur la valeur ajoutée”، “بل أيضًا للضريبة الداخلية على الاستهلاك أو ما يُعرف بالحقوق الداخلية على الاستهلاك/الرسوم الانتقائية (droits d’accise)”، موضحا أنها، “ضريبة خاصة يفرضها المشرع على سلع تُعتبر خاضعة للمراقبة بسبب أثرها على الصحة والسلامة والنظام العام، ويأتي إطارها القانوني ضمن المنظومة الجمركية والضرائب غير المباشرة، لتكون جزءًا من موارد الخزينة العامة”.
هدف يتجاوز الموارد المالية
من جانب آخر، يعتبر خبراء الصحة أن الرفع من ضرائب التبغ والكحول طريقة فعّالة للحد من الاستهلاك الضار وحماية الصحة العامة، مؤكدين أن الهدف من ذلك لا يقتصر فقط على زيادة الموارد المالية للدولة، بل يهدف أيضًا إلى تحفيز التوعية الصحية، وتقليل معدلات الأمراض المرتبطة بالتدخين والكحول، فضلا عن الحد من أرباح الشركات المنتجة التي تستغل هذه المواد.
وفي هذا الإطار، يرى الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، أن “الزيادة السنوية في الضرائب على السجائر والخمر مسألة مفيدة تتبعها العديد من دول العالم”، موضحا أنه كان يدعو في المغرب منذ مدة طويلة إلى رفع قيمة الضرائب على هذه المواد، وكان هذا المقترح موجودًا في القانون المالي، لكنه كان يطالب أولًا برفع القيمة الضريبية بشكل أكبر، وثانيًا توسيع المواد المشمولة لتشمل جميع المواد غير الصحية، وهو أمر بالغ الأهمية.
وأكد حمضي أن الهدف ليس فقط زيادة الموارد المالية لتعويض الخسائر التي يسببها التدخين، “فالتدخين يخلق خسائر صحية واجتماعية هائلة لا يمكن تعويضها بالضرائب، مثل الإصابة بالأمراض المزمنة والسرطان، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وتأثيره على التنمية والقدرة الإنتاجية للإنسان”.
وأشار إلى أن الهدف من الضرائب هو حماية الصحة والبيئة، مشددًا على ضرورة تحسيس المجتمع بخطورة المواد المضرة بالصحة والبيئة وتطبيق إجراءات للحد من استهلاكها، من بينها رفع الضرائب.
وأكد أن الدراسات أظهرت أن الدول التي ترفع الضرائب على التدخين تشهد انخفاضًا ملحوظًا في معدلات التدخين.
غضافة إلى ذلك، يوضح حمضي أن الهدف يتعلق أيضًا بالشركات المنتجة، “إذ أن رفع الضرائب يقلل أرباحها ويحد من قدرتها على الإعلان والترويج، ما يؤدي إلى انخفاض معدل الاستهلاك”.
وأفاد في هذا الصدد، أنه على المستوى العالمي، أدى هذا الأمر إلى تراجع أرباح شركات التبغ التقليدية ودفعها للتوسع في السجائر الإلكترونية، “لذلك كان من الضروري أن يشمل المغرب تنظيم استخدام السجائر الإلكترونية وفرض الضرائب عليها، كونها ضارة بالصحة أيضًا”.
وأكد المتحدث أن الحد من استخدام هذه المواد يحتاج إلى إجراءات متعددة المستويات تشمل التوعية، رفع الضرائب، تنظيم الإعلانات، ومكافحة الترويج من قبل الشركات، مطالبا الحكومة والبرلمان بعدم الانصياع للضغط المالي وابتزاز شركات التبغ.
وشدد في هذا الجانب، على ضرورة أن يكون المشرع المغربي والبرلمان والحكومة واعون بهذه التحديات ويواجهوها بحزم، “لأن أي أرباح تحققها شركات التبغ تأتي على حساب صحة المواطنين، البيئة، الاقتصاد، والنمو في المغرب”.
التحريم الشرعي
وفي الجانب الديني، نجد أن الدين الإسلامي يحرّم استهلاك الخمر وكل المواد المحرمة سواء بالبيع أو الشراء، ويعتبر أي مشاركة فيها مخالفة صريحة للشريعة، كما أشار، رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي، الحسن بن علي الكتاني، مؤكّدًا أن الالتزام بهذا الحكم يقي الفرد والمجتمع من الوقوع في المعاصي والذنوب الكبرى.
وأكد الحسن الكتاني، أن ما أجمع عليه علماء الإسلام جميعًا هو أنه “لا يجوز للمسلمين أن يتاجروا بالخمر أو أي من المواد المحرمة وقد جاء في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئًا فقد حرم ثمنه أيضًا”.
وأوضح الكتاني أن “الشرع أجاز شراء هذه المواد لأهل الكتاب، أي اليهود والنصارى الذين يعيشون بيننا، ليستفيدوا من بيع الخمر فيما بينهم، لكنه شدد على أنه لا يجوز للمسلمين المشاركة في أي من هذه التجارات، سواء بالبيع أو الشراء”.
وللأسف، يقول الكتاني، “إن ما نراه اليوم في بلادنا أن من يقومون بهذه التجارة هم مسلمون، ومن يستهلكونها أيضًا مسلمون، وهذا يُعد من كبائر الذنوب والمعاصي”.
وتابع المتحدث أن الله سبحانه وتعالى حرم الخمر بصريح العبارة في كتابه الكريم، فقال:
“يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون”.
ولفت الكتاني إلى أن الصحابة رضي الله عنهم، عند سماع هذا الحكم، قالوا: “انتهينا، انتهينا”، مؤكداً ضرورة الالتزام بتعاليم الشرع لتجنب هذه المعاصي.