story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

ما هي ضريبة الكربون البحرية وما تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد العالمي؟

ص ص

منذ أبريل الماضي، ومنظمة الملاحة البحرية الدولية (IMO) تخوض مفاوضات لاعتماد أول نظام عالمي لتسعير الكربون في قطاع الشحن، في إطار الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ وخفض الانبعاثات الكربونية، إذ يهدف هذا النظام إلى إزالة الكربون من صناعة الشحن العالمية بحلول عام 2050، عبر فرض رسوم على السفن التي تتجاوز الحد المسموح به من الانبعاثات.

وقد تم التوصل إلى اتفاق مبدئي لفرض هذه الرسوم في أبريل المنصرم، رغم المعارضة القوية من الولايات المتحدة، التي هددت باتخاذ إجراءات انتقامية ضد الدول الداعمة للمبادرة، لكن الدول الأعضاء صوتت في اجتماع عقدته المنظمة اليوم الجمعة، على تأجيل اعتماد النظام لمدة عام واحد، بعد جهود ضغط من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا ودول أخرى.

وقد صوّتت 57 دولة لصالح التأجيل، مقابل 49 دولة رفضت، بينما امتنعت 21 دولة عن التصويت.

ورغم التأجيل، أيدت أغلبية الدول المشاركة اعتماد الإطار المبدئي الذي تم الاتفاق عليه في أبريل، حيث صوّتت 63 دولة بنعم، من بينها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، والبرازيل، والصين، والهند، وكندا، والمملكة المتحدة، وكوريا، واليابان.

ما المقصود بضريبة الكربون البحرية؟

ضريبة الكربون البحرية “Maritime Carbon Tax” هي رسم دولي تسعى المنظمة البحرية الدولية، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، مقرها بلندن، إلى فرضه على السفن التجارية بناءً على كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO₂) التي تنتجها أثناء رحلاتها البحرية، والهدف الأساسي من هذه الضريبة هو الحد من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وتشجيع قطاع النقل البحري على تبني ممارسات أكثر صداقة للبيئة.

وتعتمد الضريبة على مبدأ “الملوّث يدفع”، أي أن كل سفينة مسؤولة عن تلوث الجو ستدفع مقابلا ماليا يحفزها على استخدام تقنيات وأنواع وقود أنظف.

ويُعد قطاع النقل البحري من أكثر القطاعات العالمية تلويثًا، فوفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، في عام 2022، كانت انبعاثات قطاع الشحن تمثل حوالي 3% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، مما يجعله سادس أكبر مصدر للتلوث الكربوني، متفوقًا على دول مثل اليابان وألمانيا.

وتفرض الضريبة رسوما على كل طن من الغازات الدفيئة الصادرة عن السفن التي تتجاوز الحد المسموح به، مع منح وحدات فائضة (Credits) للسفن منخفضة الانبعاثات يمكن بيعها للسفن الأخرى لتغطية تجاوزاتها.

وتستهدف الضريبة السفن الكبيرة التي تزيد حمولتها عن 5000 طن، وتترواح الرسوم بين 100 و380 دولار للطن، فيما تُستخدم الإيرادات لدعم الوقود الأخضر، وتحفيز السفن منخفضة الانبعاثات، ومساعدة الدول النامية على التحول إلى شحن أكثر استدامة.

في حال إقرارها، ما هي التأثيرات المحتملة لضريبة الكربون البحرية على الاقتصاد العالمي والدول النامية؟

هذه الضريبة، في حال إقرارها، ستُفرض على السفن التي تستخدم وقودا ملوثا أو محركات قديمة، في إطار الجهود العالمية لتحقيق هدف خفض ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.

ويشرح الخبير الاقتصادي ياسين اعليا أن هذه الضريبة ليست جديدة تماما، إذ تم تطبيقها جزئيا في الاتحاد الأوروبي، حيث تصل معدلاتها إلى نحو 75 دولارا لكل طن من الانبعاثات الكربونية، وتهدف أساسا، إلى دفع الشركات البحرية إلى تحديث أساطيلها واستعمال محركات صديقة للبيئة، والاعتماد على طاقات أقل تلويثا.

لكن رغم نبل هدفها البيئي، يبرز اعليا أن لهذه الضريبة تأثيرات اقتصادية مهمة، خاصة على الدول النامية، فالرفع من كلفة النقل البحري سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار، لأن الشركات ستنقل هذه التكاليف الإضافية إلى السلع والمواد المستوردة، ما يعني أن المستهلك النهائي هو من سيتحمل العبء”.

ويُتوقَّع أن يؤدي تطبيق هذه الضريبة على المستوى العالمي إلى ارتفاع معدلات التضخم، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى إمكانية زيادة الأسعار بنسبة تقارب 1.3%، إذ أن هذا الارتفاع، وإن بدا محدودا، سيكون تأثيره أكبر في البلدان النامية التي تعاني أصلا من ضعف القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة.

أما فيما يتعلق بالموانئ والنقل البحري الدولي، فيؤكد الخبير أن “النشاط لن يتأثر بشكل كبير، لأن التجارة البحرية تبقى الركيزة الأساسية لنقل السلع في العالم، وبالتالي سيستمر العمل بها رغم ارتفاع التكاليف”، ومع ذلك، يرى أن هذه الضريبة قد “تشكل حافزا حقيقيا للشركات من أجل تحديث أساطيلها واستعمال تقنيات أكثر نظافة، انسجاما مع السياسات البيئية العالمية”.

لماذا تعارض الولايات المتحدة هذه الضريبة ؟

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز المعارضين والمعرقلين لإقرار هذه الضريبة، حيث حذرت من إمكانية فرض عقوبات وإجراءات انتقامية على أي دولة تصوّت لصالح فرض ضريبة الكربون على النقل البحري.

وكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قد قال “إنه يشعر بالغضب الشديد من التصويت على إقرار الضريبة العالمية للكربون في المنظمة البحرية بالعاصمة البريطانية لندن”، واصفا هذه الضريبة بأنها “احتيال أخضر عالمي”، ومؤكدا أن الولايات المتحدة “لن تقبل بهذه الضريبة بأي شكل من الأشكال”.

كما جاء في بيان مشترك لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظرائه في وزارتي الطاقة والنقل “سنناضل جاهدين لحماية مصالحنا الاقتصادية من خلال فرض تكاليف على الدول التي تدعم إطار عمل صافي الانبعاثات الصفري”.

وفي البيان، حذر روبيو، ووزير الطاقة كريس رايت، ووزير النقل شون دافي، من مجموعة من الإجراءات المحتملة ضد الدول التي تصوت لصالح القرار، بما في ذلك فرض قيود على التأشيرات، ومنع السفن المسجلة في تلك الدول من دخول الموانئ الأميركية، وفرض عقوبات تجارية، والنظر في فرض عقوبات على مسؤولين.

وأضاف البيان أن “الولايات المتحدة ستتحرك لفرض هذه العقوبات على الدول التي ترعى هذا التصدير الاستعماري الجديد للوائح المناخية العالمية بقيادة أوروبا”.

ويشار إلى أن الرئيس ترامب ومنذ عودته إلى السلطة، عدّل سياسات واشنطن المتعلقة بالمناخ، واصفاً إياها بـ”الاحتيال”، ومشجعاً على استخدام الوقود الأحفوري من خلال إلغاء القيود التنظيمية.

كما كان قد حذَّر مؤخرا قادة العالم مما وصفه بـ”خدعة الطاقة الخضراء”، قائلاً “إذا لم تبتعدوا عن هذه الخدعة فإن بلدانكم ستفشل”.

وأضاف ترامب في شتنبر المنصرم، أن “الطاقة هي مجال آخر تزدهر فيه الولايات المتحدة الآن كما لم يحدث من قبل”، مردفا بالقول: “نحن نتخلص من ما يُسمى زوراً بالطاقة المتجددة.. إنها مزحة.. لا تعمل.. إنها باهظة الثمن”.

وتابع أنه “في عام 1982، تنبأ المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بأنه بحلول عام 2000، سيتسبب تغيّر المناخ في كارثة عالمية لا رجعة فيها مثل أي محرقة نووية”، معتبرا أن “هذه التوقعات كانت خاطئة، وقد صدرت عن أناس أغبياء كلّفوا بلدانهم ثروات”.