ليس لدينا منتخب إفريقي!
عندما عدنا إلى واقعنا الإفريقي بعد “غزوة” مونديال قطر، وغنيمة المرتبة الرابعة عالميا، ولعبنا أولى مبارياتنا الرسمية والودية ضد خصوم من القارة السمراء، ظهر الكثير من الإستعصاء في طريقة اللعب، وفي فرض شخصيتنا على المنتخبات الإفريقية، وفي مجابهة القدرات البدنية العالية للاعبين الأفارقة.
انهزمنا حينها وتعادلنا وفزنا بشق الأنفس، وكانت أعذار الغيابات الوازنة، ومبررات تجريب عناصر جديدة، وإنهاك اللاعبين عند نهاية الموسم، وقلنا “ما كاين باس” لننتظر، ولنرى ماذا سيحصل عند ساعة الجد.
وعندما كان وليد الرݣراݣي يقدم لوائحه الأولية والنهائية التقطنا كثيرا من الإختيارات التي عليها علامات استفهام كبيرة، لكن قلنا “راه عارف شغلو” فليتحمل ناخبنا الوطني مسؤوليته، وما علينا نحن سوى انتظار النتائج، لأن الكرة علمتنا أنها “كتحنت” ولم يكن مقبولا أن نكرر خطأ الإعتراض على بعض من استدعاهم قبل مونديال قطر، وثبت في الأخير أنه محق ونحن المخطؤون.
رحلنا إلى الكوت ديفوار بجرعة عالية من التفاؤل، وسط ترشيحات العالم لنا بحمل الكأس الإفريقية، وإضافة لقب قاري ثاني يؤنس ذاك اليتيم الذي جاء به جيل الأبيض والأسود قبل حوالي نصف قرن من بلاد الحبشة، ولعبنا المباراة الأولى والثانية والثالثة في الدور الأول، ورغم أن معظمنا شعر بهشاشة فريقنا الوطني، ولاحظنا جملة من الصعوبات في فترات كثيرة من المباريات يجدها لاعبونا في بناء اللعب وفي إتمام الهجمات بنجاح وفي مواجهة الظروف المناخية، وفي التوفر على “غرينتا” الفوز، لكن قلنا “ماعليش” فمباريات الدور الأول الأهم فيها هو التأهل، واقتنعنا أن تدبيرها تم بطريقة جيدة، وأن الإحتفاظ بالمخزون البدني كان أولوية نجحنا في تحقيقها.
كنا نعرف أننا مررنا إلى الدور الثاني، حيث مباريات خروج المغلوب مختلفة كليا عن التي لعبناها في الدور الأول، وكان لدينا أسبوع كامل للإستعداد ولدراسة خصمنا الجنوب إفريقي، ولتهييء الخطة المناسبة لهزمه، وذهب بنا تفاؤلنا الزائد لنراهن على أن المباراة ستكون مفتاحا للطريق السالكة نحو اللقب، خصوصا بعد إقصاء معظم المنتخبات الكلاسيكية التي تتقوى في الأدوار المتقدمة، وكانت ثقتنا في وليد الرݣراݣي ولاعبيه أقوى من كل المخاوف الصامتة التي راودتنا حول أداء منتخبنا في المباريات الثلاث الأولى.
بدأت المواجهة ومع مرور الوقت والإيقاع البطيء وغياب المبادرة للهجوم والضغط على منتخب جنوب إفريقيا في مناطقه، وإضاعة فرصتين سانحتين للتسجيل برعونة، شعرنا أن منتخبنا الوطني خائف من المباراة، ومن أن تنقلب عليه مجرياتها إذا أهدر كل مخزونه البدني في طريقة هجومية عقيمة، فكثرت التمريرات الخاطئة، وضعُف التركيز الذهني أمام خصم متمرس على اللعب السريع والهجمات الخاطفة، فحصل ما كان لاعبونا يخافون منه، وهو أن تبادر جنوب إفريقيا بالتسجيل، فتعقدت الأمور أكثر خصوصا أن منتخب وليد الرݣراݣي غير متعود على العودة في النتيجة، فكان الحل هو المغامرة بالهجوم الكلي و”إحراق” ما تبقى من لياقة بدنية لتعديل النتيجة فيما تبقى من المباراة، وضربة الجزاء التي حصلنا عليها والتي أضاعها أشرف حكيمي مثلما يمكن أن يقع لكل لاعبي العالم، أتصور حتى لو أنها سُجلت وانتهت التسعون دقيقة بالتعادل، فحتما كانت جنوب إفريقيا ستلتهمنا في الأشواط الإضافية مستغلة الانهيار البدني التام الذي ظهر على منتخبنا الوطني قبل نهاية المباراة.
نعم لقد أخطأ وليد الرݣراݣي في بعض اختياراته خصوصا عندما أشرك نصير مزراوي أساسيا رغم أنه كان عائدا من راحة طويلة، وأيضا في “تعذيب” عبد الصمد الزلزولي وأمين عدلي بشكل معكوس في الرواقين، بالإضافة إلى إصراره على اللعب بطريقته المقدسة 4-1-4-1 التي تبالغ في الحذر الزائد من الخصم، ولكن الحقيقة الأخرى التي أعتقد بضرورة الإعتراف بها، وهي أننا لا نملك منتخبا “إفريقياً” حقيقيا مثلما كنا لا نمتلكه في السابق، وسنكون مضطرين هذه المرة أيضا لنتذكر أن معظم عناصرنا الوطنية عندما تنزل للعب في إفريقيا، فهي تلعب في بيئة كروية غريبة عنها ولم تولد فيها ولا تتحمل طقوسها وأجواءها وخصوصيات لعب منتخباتها.
الإقصاء حتما كان سيقع، والفوز باللقب كانت أمنية غير واقعية حلمنا بها على مضض بعد إنجازنا في مونديال قطر، لأن الأدوار المتقدمة في كأس إفريقيا الحالية أصعب بكثير من دور الثمن، إذ لم يتبق فيها سوى الخصوم من منتخبات جنوب الصحراء الإفريقية الأكثر لياقة بدنية وقوة جسمانية وإصرارا على الفوز من منتخب جنوب إفريقيا الذي خفنا من مواجهته فهزَمنا بسهولة مخجلة.