لماذا يتفاوت تقدير المعدلات الاقتصادية بين الحكومة وبنك المغرب؟

تطرق والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، يوم أمس إلى إشكالية تباين الفرضيات التي يقدمها بنك المغرب بخصوص العام المقبل، والفرضيات التي بنت عليها الحكومة قانون ماليتها الجديد، خاصة تلك المتعلقة بحجم المحصول الزراعي ومعدل النمو، موضحًا أن هذا التباين في الفرضيات يبقى أمرًا واردًا في العديد من السياقات، وأنها تبقى مجرد فرضيات قابلة للدحض.
ورغم تقليل الجواهري من شأن هذه الإشكالية، إلا أنه من خلال استقراء المعطيات الواردة من طرف الجهتين، يبدو أن هذا التباين يظل حاضرًا في مختلف الفرضيات الأساسية بنسب كبيرة، خصوصًا في ظل عدد من الانتقادات الموجهة إلى الحكومة بشأن فرضياتها، والتي تعتبرها “مفرطة في التفاؤل”، في الوقت الذي يرى فيه عدد من الخبراء أن فرضيات البنك تظل أقرب إلى الواقع.
وهكذا، ففي الوقت الذي تتوقع فيه الحكومة معدل نمو خلال السنة المقبلة يصل إلى 4.6%، تشير آخر توقعات بنك المغرب إلى أن المعدل لن يتجاوز 3.9%. وبالنسبة لإنتاج الحبوب، تتوقع الحكومة محصولًا سيصل إلى 70 مليون قنطار، في مقابل 55 مليونًا يتوقعها البنك. ويمتد الاختلاف إلى القيمة المضافة الفلاحية، التي تنتظر الحكومة أن تصل إلى 11%، في الوقت الذي يرى البنك أنها لن تتجاوز 5.7% العام المقبل.
تعليقًا على هذا الموضوع، أوضح الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن جميع الحكومات المتعاقبة لديها “إشكاليات خطيرة” متعلقة بدقة فرضياتها، خاصة التقييم المتعلق بالقيمة المضافة الفلاحية، مضيفًا أن العامل السياسي دائمًا ما يتدخل في نهاية السنة لـ”تضخيم” بعض الأرقام بهدف تغطية الفجوات الكبيرة بين توقعات الحكومة في بداية السنة والواقع.
وأضاف الخبير أن بنك المغرب يعتمد في توقعاته على أدوات دقيقة ومدروسة تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب، بما فيها الجوانب النقدية والاقتصادية، وهو ما جعله يعتبر أن متوسط إنتاج المغرب من الحبوب يصل إلى 55 مليون قنطار، آخذا بعين الاعتبار التقلبات المناخية الأخيرة وتقلص المساحات المزروعة المخصصة للحبوب.
في المقابل، استغرب ساري من تمسك الحكومة بفرضية 70 مليون قنطار في قانون ماليتها للسنة المقبلة، رغم تراجع المحصول خلال السنوات السابقة، بالإضافة إلى عدم ظهور أي بوادر لتحسن التساقطات المطرية خلال الفترة الجارية، مبرزًا أن الحكومة تتوقع أن ترتفع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي خلال السنة القادمة إلى 11%، بينما تشير آخر توقعات البنك إلى أن الرقم لن يتجاوز 5.7%.
واستنكر الخبير استمرار الحكومة في تقديم أرقام غير دقيقة وبعيدة عن الواقع بخصوص معدل النمو المحقق لهذه السنة الجارية رغم تبقي شهرين على نهايتها، إذ تصر الحكومة على أن معدل النمو خلال هذه السنة سيصل إلى 3.3%، في الوقت الذي توقع فيه بنك المغرب، عقب اجتماعه الفصلي يوم أمس، أن يظل “معدل النمو محدودًا في 2.6%”.
وأردف أن الحكومة تفتقر إلى الشجاعة الكافية للاعتراف بمواقع الخلل في توقعاتها وتفسير الأسباب التي أدت إلى عدم دقتها، متسائلًا: لماذا لا تقدم الحكومة تفسيرات حول تفاوت المعطيات التي قدمتها في البداية مقارنة مع الواقع الحالي؟
وتابع المتحدث أن بنك المغرب دائمًا ما يقوم بتحيين معطياته بناءً على المستجدات مع توضيح هذه المعطيات وتفسير أسباب التغيرات التي تطرأ على الأرقام التي ينشرها بصفة دورية.
وأكد أن المشكل الحقيقي يكمن في عدم إجراء دراسات تقييمية للمعدلات التي تصدرها الحكومة قبل بداية السنة، مع تحديد مكامن الخلل بهدف الرفع من دقة التوقعات بالنسبة للسنوات القادمة، مضيفًا أنه على الرغم من حضور الجانب الاقتصادي خلال وضع الأرقام، إلا أن العامل السياسي دائمًا ما يتدخل خلال نهاية السنة لـ”تضخيم” بعض الأرقام بهدف تغطية الفجوات الكبيرة بين توقعات الحكومة في بداية السنة والواقع.