story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

للي معانا مع غانا!

ص ص

“معانا ولا مع غانا”، عبارة شعبية شهيرة ساهمت في اليومين الماضيين في تحويل خبر سحب دولة غانا اعترافها بالجمهورية المعلنة من طرف جبهة البوليساريو في الصحراء، إلى “ترند”، باعتباره أول هدية أسعدت بها السنة الجديدة، سنة 2025، المغاربة.

فرحة شعبية مستحقة، لكون كل خطوة يقوم بها المغرب في اتجاه إنهاء النزاع القائم في النصف الجنوبي من ترابه، هو قفزة نحو تحرير القرار السيادي الوطني، ومعه تحرير المقدّرات الاقتصادية والإمكانات التنموية التي يرهنها الإنفاق الضخم على هذا النزاع.

لكن خطوة من هذا الحجم، أي سحب الاعتراف الغاني بالدولة المزعومة، بعد أكثر من أربعة عقود، لا يمكن أن تكون نتيجة تطوّرات سطحية أو آنية، بل هو نتيجة لعمل طويل، ينبغي تسجيله بكل موضوعية في حساب السياسة الافريقية للملك محمد السادس التي يكاد عمرها يطابق عمر فترة حكمته التي تجاوزت ربع قرن من الزمن.

مصدر جيّد الاطلاع قال لي إن هذا التحوّل في موقف الدولة الغانية من نزاع الصحراء طُبخ علي مهل شديد على المستوى الاستراتيجي، لكنه حُسم قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت مستهل دجنبر الماضي، حيث كان الرئيس الجديد، جون دراماني ماهاما، “جاهزا” لإعلان قرار سحب الاعتراف بالجمهورية المزعومة في الصحراء، لكن الحرص على عدم تكرار الذكرى السيئة التي جرت سنة 2022 مع الرئيس الكيني الحالي وليام روتو، دفع إلى التريّث إلى غاية لحظة التنصيب الرسمي للرئيس الغاني الجديد.

المصدر قال إن تجربة إعلان الرئيس الكيني وليام روتو، سحب اعتراف بلاده بجمهورية البوليساريو مباشرة بعد انتخابه، ثم اضطراره إلى التراجع عن هذه الخطوة بشكل محرج للمغرب، كانت وراء التريّث في حالة الانتخابات الغانية الأخيرة.

ورغم أن الأمور رتّبت بإحكام مع المعسكر السياسي الداعم للرئيس القديم الجديد لغانا، فهو كان رئيسا للبلاد بين 2012 و2016، إلا أن احتياطات اتخذت لتجنّب دخول القرار إلى “البورصة” بتعبير مصدرنا، أي دخول القوى المعادية للمغرب، وهي تحديدا الجزائر وجنوب إفريقيا، على الخط، وتقديم العروض والإغراءات وربما التهديدات اللازمة لمنع تفعيل هذه الخطوة.

وإلى جانب عبارة “معانا ولا مع غانا”، التي تعتبر أكبر جسر يربطنا بهذا البلد الإفريقي، رغم ما يبدو عليها من سطحية وروح فكاهة؛ وقبل أن نستطلع بوادر هذا التحوّل في الموقف الغاني في السنوات والعقود الأخيرة، علينا أن نقوم بإطلالة على التاريخ، كي ندرك أن المجال الغاني لم يكن بعيدا عن تفاعلنا الإقليمي والقاري تاريخيا، رغم ما تبدو عليه الخريطة السياسية الحالية من مسافات طويلة بين المغرب وغانا.

ويعود الاتصال الأكثر دلالة بين المغرب ومجال مملكة غانا التاريخية، إلى فترة الإمبراطورية المرابطية، حيث كان صعود هذه الأخيرة متزامنا مع أفول مملكة غانا التاريخية، ما جعل هذه الأخيرة جزءا من مجال التأثير الاقتصادي والسياسي للمغرب.

عدت إلى تقرير معمّق كتبه لموقع قناة “الجزيرة الوثائقية” حول غانا بمناسبة مشاركة منتخبها الوطني في كأس العالم الأخير، وسجّلت ربط بعض المصادر سقوط مملكة غانا بوصول النفوذ المرابطي إلى مجالها الترابي في القرن 11 الميلادي.

فبعد التوسع والازدهار اللذين عرفتهما دولة المرابطين، كان من الطبيعي أن يصطدموا بدولة “غانة” في السودان الغربي، خاصة أن فترة الازدهار المرابطي صادفت فترة انحطاط في المملكة الغانية، التي كانت تتمركز في منطقة تبعد عن غانا الحالية ببضع مئات من الكيلومترات نحو الشمال، وهو ما سهّل زحف جيوش المرابطين على بلاد غانة، والتي كانت مصدرا أساسيا لثروات ذلك العصر.

كما كان للمغاربة، خاصة منهم التجار ممن كانوا يقودون قوافل التجارة الصحراوية نحو العمق الإفريقي، دور كبير في نشر الإسلام في المجال الغاني، بحيث يعتبر الإسلام اليوم الديانة الثانية في غانا بعد المسيحية، بنسبة تناهز 10 في المئة من مجموع السكان.

فقد كانت الوثنية تسود مملكة غانا في القديم، لكن الاحتكاك الذي جرى بين هذه المملكة الافريقية ومسلمي شمال القارة، أدى إلى انتشار الإسلام في صفوف نخبتها السياسية، حيث يؤكد المؤرخ الأندلسي أبو عبيد الله البكري في وصفه لهذه المنطقة، إن أغلب وزراء دولة غانا خلال القرن 11 للميلاد، كانوا مسلمين.

كما عاشت مملكة غانا مراحل ازدهارها الاقتصادي والسياسي بفضل التجارة التي كانت تمارسها مع مسلمي شمال إفريقيا، والتي كانت تمرّ أساسا عبر المغرب، حيث كانت القوافل تنطلق محملة بمواد أهمها الذهب والملح والعبيد، بينما كان التجار المغاربيون يأتون إلى غانا محملين بالأقمشة والجواهر والمنتجات الحرفية.

أما حديثا، وبمجرد حصول غانا على الاستقلال، وكانت من أوائل الدول الإفريقية التي تحررت من الاستعمار عام 1957، قام أحد الآباء الأوائل لحركة التحرر في افريقيا، وهو الزعيم الغاني “كوامي نكروما”، بتغيير الاسم الرسمي للبلاد، مسترجعا لقب “غانا” التاريخي، بدل “ساحل الذهب”، في سياق اتسم بمشاركته في تأسيس اللبنة الأولى لمنظمة الوحدة الافريقية، من خلال حضوره اجتماع ما يعرف بـ”جمعية الدار البيضاء”، وهو لقاء قمة جرى عام 1961 في المغرب، وضم قادة كل من مصر والمغرب وليبيا ومالي والجزائر وغانا وغينيا، وشكّل ذلك خطوة نحو تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 1963.

لكن سرعان ما جرى التغيير السياسي الذي سينقل غانا إلى معسكر خصوم المغرب في 24 فبراير 1966. فبينما كان كوامي نكروما في الصين، قاد مجموعة من الضباط انقلابا أطاح بحكمه، ليجد الزعيم الوطني ملاذه في غينيا، حيث استضافه صديقه الرئيس أحمد سيكو توريه. لتصبح غانا منذ ذلك الحين من أبرز مكونات المحور المعادي للمغرب في إفريقيا، بقيادة الجزائر.

لهذا لا يمكن فهم التحوّل النوعي في الموقف الغاني الذي تم إعلانه هذا الأسبوع، بسحب الاعتراف بجمهورية البوليساريو، دون العودة إلى بدايات السياسة الإفريقية الجديدة التي نهجها المغرب في عهد الملك محمد السادس، والتي انتهت بعودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي.

فقد كانت غانا من بين أهداف هذه السياسة التي استعمل فيها المغرب كل أوراقه، من تعزيز للنفوذ الاقتصادي ونسج للتحالفات وتوظيف للقوة الناعمة ونزول بكامل الثقل المادي والمعنوي للمؤسسة الملكية بجلبابها الديني…

وتحضر غانا في جل الوثائق، وإن كانت نادرة، التي أصدرتها مؤسسات مغربية مثل المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمؤسسات المالية والاقتصادية، حيث تم توجيه السياسات العمومية، بما فيها تلك الخاصة بتحفيز الرأسمال الخاص، نحو الاستثمار في غانا. ويكشف أحد تقارير وزارة المالية مثلا، عن تسجيل أولى الاستثمارات الخارجية المغربية في غانا ابتداد من عام 2013.

فرغم اشتهارها بإنتاج وتصدير الذهب، يشتغل قرابة 40 في المائة من سكان غانا في الفلاحة، ويعتبر الكاكاو أحد أهم المنتجات الفلاحية للبلاد، ما يجعلها ثاني أكبر مصدر لهذه المادة بعد ساحل العاج.

وفيما يعتبر الاقتصاد الغاني واحدا من أكثر الاقتصادات نموا في العالم، يظل الذهب الثروة الوطنية ورمز الأمة الغانية بدون منازع، إذ تعتبر غانا أول منتج للذهب في إفريقيا والسابع عالميا بما يقارب المائة طن من الذهب في السنة.

كما دخات غانا مرحلة بترولية منذ تأكد اكتشافات كبرى انطلقت سنة 2007. ويقدر احتياطي النفط في غانا بقرابة 700 مليون برميل، ما يجعل هذا البلد الإفريقي مرشحا ليصبح ساحل الذهبين: الأصفر والأسود.

ورغم أنها دولة أنغلوفونية، وتعتبر واحدة من قلاع الاعترافات الإفريقية بالجمهورية المزعومة في الصحراء، إلا أن المغرب منحها أولوية في سياسته الافريقية البراغماتية، المتسمة بالانفتاح على معاقل الخصوم، وبناء شبكة مصالح جديدة معها، وتسهيل تحوّل سياساتها تجاه قضية الصحراء…

ويكفي أن الملك ومحمد السادس حلّ في العاصمة الغانية أكرا شهر فبراير 2017، أي بعد شهر واحد من قياداته عملية استعادة العضوية في الاتحاد الإفريقي من قلب العاصمة الاثيوبية أديس أبابا.

وقبيل وصول الملك، كان الرئيس المنتخب الشهر الماضي، قد استقبل في الأيام الأخيرة من ولايته السابقة على رأس الدولة، سفيرا مغربيا يكاد اسمه يرتبط يملف الصحراء، هو حميد شبار، السفير الحالي لدى موريتانيا.

تطلّب الأمر المزيد من العمل وخوض الحروب على واجهات عديدة، بقيادة وتنسيق من جانب المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) التي تعتبر جندي الخفاء في هذا الملف. لكن الرئيس الذي تسلّم أوراق اعتماد شبار عاد إلى القصر الجمهوري هذا الأسبوع ليعلن سحب الاعتراف بالجمهورية المزعومة، وفي آذانه، دون أدنى شك، صدى الزغاريد المغربية التي زفّته إلى منصة الخطابة أمام منتدى “نساء إفريقيا والفلاحة” الذي شارك في دورته الأولى بمدينة مراكش، شهر شتنبر 2017، بدعم واحتضان من المكتب الشريف للفوسفاط…
والآن.. للي معانا مع غانا!