لاعبونا بين أوروبا وإفريقيا
بعدما خرج لاعبو منتخبنا الوطني مبكرا من منافسات كأس إفريقيا للأمم، عادوا إلى أنديتهم الأوروبية وانضموا بسرعة إلى التداريب التي تسبق مباريات نهاية الأسبوع، و بدا وكأن أنديتهم كانت في أمس الحاجة إليهم، حيث تم إشراك معظمهم في التشكيلة الرسمية دون انتظار تخلصهم من رواسب المشاركة الإفريقية الفاشلة.
الذي أثار استغراب الجمهور المغربي في لاعبي منتخبهم الوطني العائدين إلى أنديتهم، هو أن هؤلاء الذين ظهروا بمستوى باهت في الكوت ديفوار، وتسببوا في حالة من الإحباط جراء مردودهم الهزيل في المباريات الأربع في كأس إفريقيا، ” تسيفوا” فجأة في أول مباراة مع فرقهم، ونالوا تنقيطا جيدا ومنهم من نال أحسن لاعب في المواجهة، ومنهم من سجل، ومنهم من ألهب حماس مناصري ناديه بعد مساهمته الفعالة في الفوز.
يوسف النصيري الذي كان “يعكل” في مربع عمليات الخصوم الأفارقة في الكوت ديفوار، ويضيع الفرص برعونة تبعث على الإنهيار العصبي، عاد مباشرة إلى مركزه الأساسي في هجوم إشبيلية، ولعب ضد رايو فايكانو مباراة كاملة سجل فيها هدفي الفوز لفريقه وفتن دفاع الفريق المدريدي بتحركاته الخطيرة، ونال جائزة أحسن لاعب في المباراة!!
أمين عدلي الذي أضاع فرصة تسجيل سانحة أمام جنوب إفريقيا كانت ستقلب حسابات المباراة، أتته فرصة مماثلة مع ناديه باييرن ليفركوزن في مباراة نهاية الأسبوع الماضي، فسجلها “بلا ما يرمش” مانحا فريقه هدف تعادل ثمين!!
عز الدين أوناحي الذي كان يختفي من فرط العياء في الشوط الثاني خلال مباريات كأس إفريقيا مع المنتخب، عاد لناديه مارسيليا ولعب أساسيا، وكانت المفاجأة أن إحصائيات المباراة سجلت أن أوناحي جرى 11 كيلومتر بالتمام والكمال، وهو رقم لا يصله إلا من يتوفر رئة العدائين.!!
نصير مزراوي الذي أثارت حالته الجدل في الكوت ديفوار بسبب عدم جهوزيته، وإشراكه في المباراة الأخيرة أمام جنوب إفريقيا بدل يحيى عطية الله، وتقديمه لمردود هزيل في الجهة اليسرى، وجد مدربه توخيل في الباييرن ينتظره ليشركه أساسيا ويقدم مستوى مبهر كعادته قبل الإصابة التي لحقته وقبل الإلتحاق بتشكيلة وليد الرݣراݣي في سان بيدرو!!
تباين محير في الأداء بين الأندية والمنتخب الوطني يدفع الكثيرين إلى البحث عن الأسباب والتفسيرات، ولماذا تغيب الفعالية عن لاعبينا “الأوروبيين” خصوصا في المواجهات الإفريقية، وهو سؤال قديم بدأ عند الجمهور المغربي مع بداية استقطاب أبناء مغاربة العالم للعب مع الفريق الوطني، وكان غالبا ما يتم تفسير تواضع مستواهم معه إلى أنهم “منفخين” وتنقصهم روح الوطنية، وأنهم يأتون للعب فقط من أجل الصفة الدولية، وهذا الإتهام لا يمكن بتاتا بل من المستحيل أن ينطبق على هذا الجيل الذي أثبت أبناؤه منذ بدايتهم عن حبهم لوطنهم الأصلي وافتخارهم باللعب بقميص فريقه الوطني أكثر من الأندية العالمية التي يمارسون فيها.
تفسير هذا التناقض الأخير في المستوى بسيط جدا، فهو لا يخرج عن تأثر اللاعبين بالمناخ الإفريقي وعدم تعودهم على الحرارة المفرطة والرطوبة العالية، الشيء الذي يستهلك مخزونهم البدني، ويفقدهم القدرة على التركيز وإبداء الفعالية في التسجيل وتطبيق طريقة اللعب المناسبة، ثم هناك أيضا سوء الرسم التكتيكي للمباريات والإختيارات غير الموفقة لمراكز هؤلاء اللاعبين، مما يجعلهم يظهرون بكل ذلك الضعف التقني والبدني في مباريات كأس إفريقيا.
أما القول بأنهم في الأصل “زرݣين”، وليس لديهم مستوى الفريق الوطني، فهو حُكم تنقصه الموضوعية، ويستند فقط على معايير الكرة الهاوية، إذ أن مسؤولي الأندية الأوروبية العريقة التي يلعبون لها ليسوا أغبياء ولا يصرفون ملايين الأوروات “غير هكذاك” على هؤلاء اللاعبين (النصيري مثلا جلبه إشبيلية من ليغانيس ب20 مليون أورو)، ووصولهم إلى اللعب في هذا المستوى لم يأت بالصدفة أو المحاباة أو ضربة حظ.