story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

لا حكومة لا برلمان

ص ص

رغم خروج الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة عن الخدمة دقائق قليلة بعد نشر مقالي الصباحي ليوم أمس، وهو المقال الذي تطرقت فيه إلى غياب رئيس الحكومة عن مجموعة من الأنشطة الرسمية طيلة الأسبوع الماضي، بما فيها اجتماع المجلس الحكومي الذي أعلنت الأمانة العامة للحكومة عن جدول أعماله دون أن تعود لتوضح لنا مآله وسبب عدم انعقاده، إلا أنني حملت نفسي على الاعتقاد بأن الأمر يعود إلى الصدفة لا غير، أصلا من ذا الذي يعبأ في زمن التفاهة والتحلل الشامل بخربشات صحافي “مسالي قبو”؟

لكنني عدت هذا الصباح، وأنا أتصفح الموقع كدأبي على ذلك منذ سنوات، حرصا مني على متابعة المستجدات القانونية والاستفادة من بعض الخدمات القيّمة الأخرى التي يقدمها الموقع، فوجئت بجدول الأعمال الخاص بالمجلس الحكومي المعلق دون إعلان رسمي، وقد اختفى من قائمة تضم جدول أعمال المجالس الحكومية.

نبهنا إلى سوء عاقبة الإبقاء على وثيقة لها أثر قانوني، تتمثل في جدول أعمال مجلس حكومي، دون مآل في الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة، فإذا بنا اليوم أمام فعل يزيد الطين بلة ويقدم إشارة سلبية حول المؤسسات الساهرة علي تدبير الشأن العام في أكثر مستوياته حساسية ودقة.

هكذا وبدل الخروج بشكل تواصلي مؤسساتي دقيق، سواء حول الوضع الصحي لرئيس الحكومة وسبب اختفائه، أو حول مصير جدول أعمال المجلس الحكومي، نحذف وثيقة رسمية من الوجود وكأننا نلغي حقيقة عدم انعقاد اجتماع أسبوعي رسمي سبق الإعلان عن جدول أعماله دون تبرير ولا تفسير.

الأمر لا يقتصر على العمل الحكومي، بل تابعنا أمس في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، أن الغياب يمس موعدا دستوريا آخر، هو جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، حيث توشك الدورة الخريفية على اختتام أشغالها ولم يحضر رئيس الحكومة إلى هذه الغرفة التشريعية إلا مرة واحدة.

غريبة هذه السرعة التي ينقلب بها السعي المحموم إلى السلطة وتعبئة المال والأتباع والتحالفات، الظاهرة والخفية، للحصول على أغلبية البرلمان ومعه الحكومة، إلى تهاون واستخفاف بالمؤسستين الدستوريتين اللتين تعتبران بمثابة اليدين اللتان تشتغل بهما الدولة.

نعم لقد انتصر رئيس الحكومة في بدايات الولاية الحالية في معركة تأويل، ضد جزء من البرلمان، تتعلق بوتيرة الحضور أمام البرلمان، وأيدته المحكمة الدستورية في مسعاه لجعل إيقاع الجلسة الشهرية يتم بالتناوب بين غرفتي البرلمان، فيصبح الموعد مرة كل شهرين في كل مجلس، لكن هذا الهروب من جلسة نقاش سياسي وتقييم للسياسات العامة في حد ذاته مثير للاستغراب.

المفروض أن السياسة تمارس أولا وخصوصا بالتواصل والخطاب والنقاش، وأن رئيس الحكومة يتوفر على أغلبية مطلقة داخل غرفتي البرلمان، والنقل التلفزيوني المباشر الذي تكفله دفاتر تحملات الإعلام العمومي لمثل هذه الجلسات تعفي فرق خبراء التواصل الحكومي من إنفاق آلاف الدولارات في حملات ال”سبونسورينغ”. فكيف يتحول رئيس الحكومة من “منتهز” ايجابي لهذه الفرصة، يقدم عرضا خطابيا وسياسيا يحرك ناعورة النقاش العمومي، من منطلقاته هو ووجهة نظره هو، إلى هارب من هذا التمرين؟

قد يكون الفاعل السياسي المتصدر للمشهد حاليا مرتاحا في اختياراته التدبيرية حتى وهو يغرق سوق السياسة والمؤسسات في “النخال”، لأنه يضرب حساباته الخاصة التي لا تبتعد في جميع الأحوال عن بورصة المال، لكن هل تعرفون ماذا ينتج عن هكذا سلوك تجاه مؤسسات كانت حتى قبل دستور 2011 في منأى عن الصورة الباهتة التي تكتسيها المؤسسات المنتخبة في مستويات محلية أخرى؟

إنه يقتل ما تبقى من أمل وثقة في هذه المؤسسات، ويُضعف موقف من تبقى من مؤمنين بدفع صخرة سيزيف في عقبة الديمقراطية والإصلاح التدريجي والسلم الاجتماعي.

حاورت أمس سياسيا معارضا ممن يواصلون رفع شعار الملكية البرلمانية، (سينشر هذا الحوار قريبا)، وسألته وأنا أقصد الاستفزاز المهني: ألستم حالمين في رفع مثل هذا المطلب بينما لم نستطع تفعيل حتى دستور 2011 الذي أصبح بمثابة لباس لم يفصل على مقاسنا؟ فأجابني (أفحمني صراحة) بالقول: “وماذا تكون السياسة إن لم تكن ان تحلم؟”.

زاد محاوري موضحا أن الإصلاح في المغرب يتم عبر وسيلتين: المؤسسات والشارع، وذكرني كيف أن آخر جرعة إصلاح المتمثلة في دستور 2011 جاءت عبر الشارع وفي وقت كان يعتقد فيه الجميع أن أمل الإصلاح قد انقطع.

صراحة أنا ممن يفضلون الدفع بالإصلاحات ودعمها بالنقاش والجدل والاشتباك الفكري، من داخل المؤسسات. ورغم إيماني التام بضرورة وأهمية الشارع في انتزاع المهمشين والمظلومين والمقهورين لحقوقهم، إلا أنني (ربما لأنني جبان) أفضله شارعا يقف خلف مؤسسات تستوعبه وتنصت إليه وتحاوره وتستجيب إليه…

ما يحصل الآن داخل المؤسسات، يدفعنا حتما نحو شارع باتجاه واحد، يحتج ويطالب ولا ينصت أو يحاور، وقد تذوقنا مقبلات هذا الوضع في احتجاجات أساتذة وموظفي التعليم.
فاتقوا الله في المغرب.