كيف حولت أحداث “7 أكتوبر” مواقف القارة الإفريقية تجاه فلسطين؟
وضعت التطورات الأخيرة للقضية الفلسطينية منذ أحداث “السابع من أكتوبر” المغاربة في مفارقة في علاقتهم مع الموقف الإفريقي من تطورات القضية، حيث أن أبرز المدافعين الأفارقة على الشعب الفلسطيني، هم المعادون للوحدة الترابية للمغرب.
وفي تحليله لعلاقة الأفارقة بالقضية الفلسطينية تاريخيا وحاليا، خلال مشاركته في ندوة نظمها منتدى أحمد الريسوني للحوار العلمي تحت عنوان “المنظمات الأممية والقضية الفلسطينية”، يقول سعيد الصديقي أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، إن المجتمع المدني الإفريقي كان له دور في دعم الجهود الإفريقي في دعم فلسطين، داعيا المنظمات المغربية المناهضة للتطبيع، أن يكون لها تنسيق مع المجتمع المدني الإفريقي درءا لشبهة التنسيق مع جنوب إفريقيا والجزائر.
تاريخ من المد والجزر
وفي بسطه لتاريخ علاقة الاتحاد الإفريقي مع القضية الفلسطينية، يقول الصديقي، إن دعم الاتحاد للحق الفلسطيني ظل ثابتا في تصريحاته وبياناته، على الرغم من أن المسار متذبذب والمتسم بالمد والجزر، في علاقة الدول الإفريقية بفلسطين.
فقبل حرب 1967، استطاعت إسرائيل أن تقيم علاقات دبلوماسية مع بعض الدول الإفريقية، وكانت غانا أول دولة إفريقية تعترف بإسرائيل، غير أنها سحبت الاعتراف، وقطعت علاقاتها معها، ولم تحافظ سوى دولة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على علاقتها مع الكيان الإسرائيلي.
ويضيف الصديقي أن مصر في عهد جمال عبد الناصر كان لها دور مهم جدا في بلورة موقف إفريقي رافض للاحتلال الإسرائيلي، عندما جعلت من القضية الفلسطينية عنصرا أساسيا في سياستها الخارجية، وهو موقف دعمته على المستوى الإفريقي، بإثبات أن إسرائيل تحتل جزء من أراضي القارة، وهي صحراء سيناء.
غير أنه بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 تسارعت وتيرة التطبيع وتزايدت سنة 1993 عندما بدأ مسلسل التطبيع في العالم العربي، إلا أن القارة بقيت مساندة في العموم للحق الفلسطيني، ومع اندلاع شرارة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي، لم تعلن سوى ثلاث دول إفريقية دعما لإسرائيل، وهي كينيا والكاميرون والطوغو، فيما دول إفريقية أخرى، على الرغم من إقامتها لعلاقات مع إسرائيل لم تعلن عن مواقف داعمة لها، كما أن كينيا تراجعت نسبيا في مسار دعم الاحتلال.
وقطعت إسرائيل مسارا طويلا حسب الصديقي في محاولة اقتحام القارة الإفريقية، حيث حصدت اعتراف 44 دولة من أصل 54 دول إفريقية، إلا أن هذا التطبيع بقي حسب قوله أفقيا على مستوى الحكام تحكمه المصالح ولم يتحول إلى تطبيع عمودي تتبناه الشعوب خصوصا الشعوبة المسلمة، علما أن إسرائيل لا تملك سوى 12 سفارة فقط في القارة الشاسعة.
تحول إفريقي نحو فلسطين
الموقف الإفريقي في التعاطي مع فلسطين كان يحتكم للموقف العربي تاريخيا حسب الصديقي، فيتقدم حينما يتقدم العرب ويتراجع عندما يتراجع العرب، غير أنه بعد السابع من أكتوبر خرج من حالة الارتهان هذه، حيث أصبحت إفريقيا هي التي تقود التحرك العالمي من أجل فلسطين، وبشكل أساسي عن طريق جنوب إفريقيا.
هذا التحول الكبير، أجهز على الحلم الذي سعت إليه إسرائيل لعشرين سنة، حيث تمكنت بقرار فردي من رئيس المفوضية الإفريقية موسى فقي من الحصول على وضعية عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي سنة 2021 ،إلا أن هذا القرار الذي لم يتم التصويت عليه داخل الاتحاد أصبح يعتبر لاغيا بعد “طوفان الأقصى”، تحت ضغط من جنوب إفريقيا والجزائر، وطرد وفد إسرائيل من القمة الإفريقية في فبراير، فيما تحظى فلسطين بوضعية عضو مراقب في الاتحاد منذ سنة 2012.
كما أنه من أبرز مظاهر فشل المد الإسرائيلي في القارة الإفريقية، عدم تمكن تل أبيب على مدى أعوام من المحاولة، في لإاقمة قمة إفريقية إسرائيلية، على غرار القمة الإفريقية اليابانية أو الروسية أو الأوروبية.
المفارقة المغربية
في الوقت الذي يظهر التوجه العام في القارة، والذي تقوده الجزائر وجنوب إفريقيا، لدعم الحق الفلسطيني، يقول الصديقي إن المغرب يجد نفسه في مفارقة، لكون الدول الأكثر مساندة في هذه المرحلة لفلسطين على مستوى القارة، هي نفسها الأكثر عداء لوحدته الترابية.
وفي السياق ذاته، يوجه الصديقي المجتمع المدني المغربي، لتجاوز حالة المفارقة هذه، والحرج في التعامل الرسمي مع جنوب إفريقيا والجزائر لدعم الجهود القارية من أجل فلسطين، بالتوجه نحو تعزيز التعاون مع المجتمع المدني الإفريقي.
ويقول في هذا الصدد، إن قوة جنوب إفريقيا في تحركاتها الأخيرة من أجل فلسطين، أنها كانت مدعومة من المجتمع المدني الإفريقي، الذي وعلى الرغم من عدم وصوله إلى قوة المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا، إلا أنه يتحرك، حيث أن أزيد من 150 جمعية إفريقية كانت قد راسلت الاتحاد من أجل سحب اعتماد إسرائيل كعضو مراقب.
وعلى الرغم من حالات المد والجزر، فإن القارة لا زالت حسب الصديقي محضنا للقضية الفلسطينية، مؤكدا على الاستمرار في حث الدول على تغيير مواقفها، سيساهم في إضعاف النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا.