story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

كتاب شباب

ص ص

انتبهت الثقافة المغربية، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى مكونات الوفد الثقافي المغربي الذي يحل هذه الأيام ضيفا على معرض الكتاب في الشارقة الإماراتية. ومع هذا الانتباه، طرح كثير من رواد المواقع الاجتماعية السؤال حول هيمنة مثقفي الرباط على مكونات الوفد من جهة أولى، وحول إقصاء الكتاب الشباب من تمثيل المغرب في هذا المعرض من جهة ثانية. هكذا، وبالصورة ذاتها التي تثار بها مسألة الشباب في المشاركة السياسية، ينبغي أن تحضر المسألة ذاتها في مجال الثقافة كذلك.
ينبغي أن تطرح مسألة الكتاب الشباب، ليس بوصفها تشهد على تجاوز الجيل السابق، وإنما بوصفها تجربة جديدة تعد امتدادا مجدِّدا للتقليد الأدبي والفكري والفني المغربي المتواصل منذ قرن على الأقل. وهذا الامتداد أشبه بالسرة التي تربط الجنين بأمه، لكن سرعان ما ينفصل عنها بقطعه، ليصنع حياته الخاصة، لكن دون أن يستقل عن حضنها نهائيا. غير أن الأم، في الحالة الثقافية المغربية، تبدو كأنها تتنصل من جنينها، ولا ترغب في الاعتراف به.
والحال أن الكتابة الشبابية تستدعي اهتماما خاصا، كونها تمثل ظاهرة متفردة تكاد تكون الوحيدة في العالم العربي. وهي تشهد على بروز تحولات جوهرية في التعبيرات الأدبية والفكرية والفنية، وتقدم منظورات ووجهات مختلفة وجريئة حول الواقع المغربي المعاصر. لقد ارتقت هذه الكتابة بالتجريب، خاصة في الأدب والفن، إلى مستوى أكثر نضجا وعمقا، واستطاعت أن تتخلص من ربقة التجريب الأول المقلِّد للأوربيين، سواء من حيث توظيف هذه الكتابة المعجم اللغوي المغربي المتنوع بوعي أكبر، أو من حيث قدرتها على غرس الإبداع في عمق التربة المحلية.
من ناحية ثانية، أضحى الأدب الشبابي المغربي يمثل مرآة عاكسة لمجتمعنا المعاصر، حيث يتجاوز القضايا التقليدية ليتناول بكل جرأة وصراحة قضايا ملحة تشغل بال الشباب، مثل الهوية والعنف والهجرة والتغيرات الاجتماعية المتسارعة وواقع المرأة، الخ. كما يعكس اهتماما بالغا بالقضايا الاجتماعية الملحة التي تواجه المجتمع المغربي، مثل الفساد والبطالة والتفاوت الاجتماعي وحقوق الإنسان، ليقدم بذلك رؤية نقدية واقعية للمجتمع ويساهم في إثارة النقاش حول هذه القضايا، دون أن يغفل عن التطورات التقنية الراهنة، مثل منصات التواصل الاجتماعي التي خلقت حوارا حيويا بين الكتاب الشباب والقراء (والدليل هنا مثال الحدث البارز الذي خلقه الكاتب السعودي أسامة المسلم خلال معرض الكتاب الأخير في الرباط).
أمثلة هذا النزوع التعبيري الشبابي كثيرة منها مثلا: ياسين كني وعبد المجيد سباطة ومحسن الوكيلي وكريمة أحداد وعيسى ناصري في الرواية، وسعيد منتسب وإسماعيل غزالي وعبد الهادي الفحيلي وفاطمة كطار في القصة القصيرة، وعبد العالي دمياني وسكينة حبيب الله وحفيظة الفارسي وليلى بارع وعمر العسري وعائشة بلحاج في الشعر، ونبيل فازيو والمهدي مستقيم وآخرين في الفكر والفلسفة… والأمثلة كثيرة في مجالات أخرى مثل الإبداع السينمائي والموسيقي والإبداعات الشعبية، الخ.
وإذا كانت طبيعة الوفد الثقافي الحاضر في الشارقة الآن تعكس نوعا من الهيمنة المكرسة على مفاصل الثقافة المغربية، فإن ذلك وحده لا يمثل العائق أمام تطور حركة ثقافية شبابية وإزهارها في المغرب اليوم. ثمة عوامل أخرى تحول دون ذلك، منها ما هو مرتبط بالمؤسسة الثقافية نفسها؛ أي بوزارة الثقافة وما شابهها، وبصعوبة النشر، وانحصار الاهتمام النقدي والأكاديمي بنتاجات الشباب، ونقص الدعم المادي، وعدم تكريس نصوصهم في المقررات الدراسية والجامعية، الخ.
لكن ثمة، أخيرا، عامل ذاتي يتصل بنظرة الكتاب الشباب أنفسهم إلى ذواتهم، وإلى إبداعاتهم. يكاد هؤلاء لا يدافعون عن موقعهم المفترضة داخل الخريطة الثقافية المغربية.