story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

كالينينغراد.. أو الحرب القادمة في بحر البلطيق

ص ص

يعلن الناتو اليوم، السابع من يناير 2025، عن إرسال عشر سفن حربية إلى بحر البلطيق، بدعوى “حماية البنية التحتية أسفل الماء”. عشر سفن كاملة لهذا الغرض؟ هذا الأمر مبالغ فيه كثيرا في وقت السلم، حيث يمكن القول إن حماية البنية التحتية أسفل للماء في بحر البلطيق، في ظل التكنولوجيا الحالية، لا تحتاج إلا إلى عدد قليل جدا من السفن المتخصصة في هذه المهام.. اللهم إذا كان حلف الناتو يعتبر أن بحر البلطيق صار بالفعل منطقة حرب.. وضد من؟

لقد قام حلف الناتو خلال السنوات الأخيرة، وخصوصا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بمناورات عسكرية غير مسبوقة في المنطقة، تراوح عدد البوارج الحربية فيها بين ثلاثين سفينة حربية سنة 2023 و50 بارجة في السنة الماضية، أي 2024.

وتبقى المناورات الأبرز هي تلك التي جرت في فبراير من العام الماضي تحت مسمى Steadfast Defender أو المُدافع الثابت أو المدافع الصلب، والتي شارك فيها أكثر من 90 ألف عسكري من غالبية دول الحلف، والتي جرت في مناطق عدة حول بحر البلطيق غير بعيد عن كالينينغراد.

لحظة! هل قلنا كالينينغراد؟ نعم كالينينغراد.. تلك القطعة من الأرض، المطلة على البلطيق والتابعة لروسيا، والموجودة بين كل من ليتوانيا وبولونيا وألمانيا. جميع الأعضاء في الناتو وبيلاروسيا العضو في معاهدة الدفاع المشترك، والتي تكاد تكوّن جزءً من الاتحاد الروسي..

كالينينغراد هذه تعتبر مسمار روسيا في بحر البلطيق وحصاة غليظة في حذاء الناتو.. ويبدو أن هذا الأخير صار يتحين الفرصة لانتزاعها وإغلاق بحر البلطيق أمام موسكو، كما يبدو من خلال ما سبق أن الحلف يقوم بالفعل بالاستعداد للسيطرة عليها وبأي شكل من الأشكال.

وأعتقد في هذا الصدد أن الحلف، الذي زج بأوكرانيا في المحرقه الروسية، سيضحي هذه المرة ببولونيا من خلال دفع وارسو للإقدام على مغامرة اجتياح كالينينغراد، كما أعتقد أن حكومة وارسو، من خلال مجموعة من المواقف التي اتخذتها في السنوات القليلة الاخيرة، تعتبر غبية ومندفعة بما يكفي للإقدام على هذه الخطوة …

ما قد يشجع بولونيا على ذلك هو سابقة اجتياح أوكرانيا لجزء من التراب الروسي في منطقة كورسك والرد الروسي على ذلك، حيث تعتقد وارسو أن رد فعل موسكو على هذه المغامرة التي أقدمت عليها كييف لم يكن بتلك القوة التي كانت تتوقعها والتي من شأنها إخافتها، خصوصا أن بولونيا ظلت منذ استقلالها (أو إعادة تكوينها) في سنة 1918، تطالب بجزء من كالينينغراد، كما طالبت بذلك أيضا في سنة 1945 على إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا. لكنها اضطرت إلى التراجع أمام ضغوط الاتحاد السوفياتي. وتتوفر بولونيا بالفعل على علاقات وارتباطات وثيقة بالمنطقة على المستويات الاقتصادية واللغوية …

لكن إقدام بولونيا على هذه الخطوة سيفتح باب جهنم على المنطقة بأكملها، لأن ألمانيا أيضا تطالب باستعادة كالينينغراد، علما أن هذه الأخيرة ظلت تابعة لألمانيا منذ سنة 1255 وحتى سنة 1945، قبل أن يتم طردها منها من طرف السوفيات وطرد ما يقرب من مليوني ألماني. وظلت ألمانيا حتى 1990 في مقرراتها الدراسية للتاريخ والجغرافيا تدرج كالينينغراد باعتبارها “أراضٍ ألمانية محتلة”.

وحيث إن كالينينغراد توجد أيضا على أبواب بيلاروسيا، وحيث إن هذه الأخيرة تعتبر الممر البري لروسيا إلى كالينينغراد، فإن مينسك ستعتبر نفسها أوتوماتيكيًا، طرفا مباشرا في أي تغيير لوضع كالينينغراد السياسي والعسكري. دون أن ننسى ليتوانيا أيضا، التي ظلت بين الفينة والأخرى، رغم ترسيم الحدود بينها وبين روسيا في سنة 1997 بما يجعل كالينينغراد جزءً من التراب الروسي، تعود للمطالبة بالسيادة على هذه المنطقة، علما أنها كانت قد تمكنت من ضم الجزء الشمالي منها سنة 1919.

كل هذه المعطيات تنبئ بأن أمريكا، الحاضرة المستترة في كل هذه الأحداث، باتت قاب قوسين من إطلاق عملية محاصرة واجتياح هذا الجيب الروسي لأن ذلك سيحقق لها خمسة مكاسب استراتيجية:

• أولا: إقصاء روسيا من بحر البلطيق؛

• ثانيا: جر روسيا إلى حرب مباشرة مع الناتو؛

• ثالثا: التدمير المتبادل بين روسيا وأوروبا، عسكريا واقتصاديا، بسبب هذه الحرب؛

• رابعا: التمهيد للسيطرة على القطب الشمالي بعدما تصبح روسيا ضعيفة وغير قادرة على مواجهة أمريكا هناك، وتندرج في هذا السياق محاولات ترامب الأخيرة للسيطرة على جزيرة غرينلاند، التابعة حاليا للدانمارك …وقد أطلق ترامب تصريحا في غاية الخطورة حينما قال بأنه “لا يضمن عدم استعمال الوسائل العسكرية للهيمنة على الجزيرة”، حيث يمكن اعتبار هذا التصريح، من ناحية الخطاب الدبلوماسي، بمثابة إعلان حرب على الدانمارك؛

• خامسا: قطع الطريق أمام مشروع ” الحزام والطريق ” الصيني، والذي يمر عبر كالينينغراد نحو بولونيا فألمانيا .

لذلك يبدو لي أن روسيا باتت مطالبة بالاستعداد لما سأسميه “ملف كالينينغراد “، سواءً من خلال الإعداد لمواجهة عسكرية مع الناتو، ستكون مدمرة لأوروبا وروسيا في نفس الوقت، أو الإعداد لصيغ أو سيناريوهات ما للتنازل عن هذا الجيب وتقسيمه بين الجيران من أجل تفادي هذه الحرب، وأظن في هذا الصدد أن روسيا، من خلال نشر الأسلحة النووية وصواريخ أوريشنيك الرهيبة في بيلاروسيا قد عزمت أمرها.